للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان خُرُوجُهُم راجِعينَ إلى دارِ أعرابيَّتِهِم حَرامًا عليهم؛ لأنَّهُم كانوا يكونون بذلك مُرتدِّينَ إلى الأعرابيَّةِ من الهِجْرةِ، ومن فعلَ ذلكَ كان ملعُونًا على لِسانِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.

ألا تَرى إلى حديثِ شُعْبةَ (١) والثَّوريِّ (٢)، عن الأعْمَشِ، عن عبدِ الله بن مُرَّةَ، عن الحارِثِ بن عبدِ الله، عن عبدِ الله بن مَسْعُودٍ، قال: آكِلُ الرِّبا، ومُوكِّلُهُ وكاتِبُهُ وشاهِداهُ إذا عَلِمُوا به، والواشِمةُ والمُسْتوشِمةُ للحُسْنِ، ولاوي الصَّدَقةِ، والمُرتدُّ أعرابيًّا بعد هِجْرتِهِ، ملعُونُونَ على لِسانِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - يومَ القيامة؟

ورُوي عن عُقبةَ بن عامرٍ الجُهنيِّ، قال: بَلَغني قُدُومُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ وأنا في غُنَيمةٍ لي، فرفَضتُها، ثُمَّ أتيتُهُ فقلتُ: جِئتُ أُبايعُكَ، فقال: "بيعةً أعرابيَّةً، أو بيعةَ هِجْرةٍ؟ " قلتُ: بَيْعةَ هِجْرةٍ. قال: فبايعتُهُ وأقمتُ (٣).

قال أبو عُمر: ففي قولِ عُقبةَ في هذا الحديثِ: فبايَعتُهُ وأقمتُ، دليلٌ على أنَّ البَيْعةَ على الهِجرةِ تُوجِبُ الإقامةَ بالمدينةِ، وأنَّ البَيْعةَ الأعرابيَّةَ بخِلافِها (٤)، لا تُوجِبُ الإقامَةَ بالمدينةِ على أهْلِها، ويدُلُّك على ذلك، أنَّ مالكَ بن الحُوَيرِثِ وغيرَهُ من الأعْرابِ بايَعُوا رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وأقامُوا عِندهُ أيّامًا، ثُمَّ رَجَعُوا إلى بلادِهِم، وقال


(١) أخرجه أحمد في مسنده ٧/ ٤٣٠ - ٤٣١ (٤٤٢٨)، والنسائي في المجتبى ٨/ ١٤٧، وفي الكبرى ٥/ ٢٣٢ (٥٥١٢) من طريق شعبة، به.
(٢) أخرجه أحمد في مسنده ٦/ ٤٢٥ (٣٨٨١)، وابن حبان ٨/ ٤٤ (٣٢٥٢)، والطبراني في
مسند الشاميين ٢/ ٦١ (٨٤٣) من طريق سفيان الثوري، به.
(٣) أخرجه ابن سعد في طبقاته ٤/ ٣٤٣ - ٣٤٤، وابن أبي خيثمة في تاريخه، السفر الثالث: ٢/ ٧٦١، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٤/ ٤٢٧، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٤٠/ ٤٩٤، من طريق أبي عشانة المعافري، عن عقبة بن عامر، به.
(٤) في ض، م: "تخالفها"، والمثبت من ظا.

<<  <  ج: ص:  >  >>