للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهُم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ارْجِعُوا إلى أهليكُم، فأقيمُوا فيهم، وعَلِّمُوهُم، وصلُّوا كما رأيتُمُوني أُصلِّي" (١).

وهذا الأعرابيُّ المذكُورُ في حديثِ مالكٍ، كان واللهُ أعلمُ، مِمَّن بايَعَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - على المُقام بدارِ الهِجْرةِ، فمنْ هُنا أبَى رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من إقالَةِ بَيْعتِهِ.

وفي إباءِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - من إقالَةِ البَيْعةِ، دليلٌ على أنَّ من العُقودِ عُقودًا إلى المرءِ عَقدُها، وليسَ لهُ حلُّها ولا نَقْضُها، وذلك أنَّ من عقَدَ عقدًا، يجِبُ عَقْدُهُ، ولا يحِلُّ نَقْضُهُ، لم يجُزْ لهُ أن يَنْقُضَهُ، ولم يحِلَّ لهُ فسخُهُ، وإن كان الأمرُ كان إليه في العقدِ، فليسَ إليه ذلك في النَّقضِ.

وليسَ كلُّ ما للإنسانِ عَقدُهُ، لهُ فَسْخُهُ، ولم يَكُنْ لرسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُقيلَهُ بَيْعَتهُ؛ لأنَّ الهِجْرةَ كانت مُفتَرضةً يومَئذٍ، كما لم يكُنْ لهُ أن يُبيحَ لهُ شيئًا حَظَرتْهُ عليه الشَّريعةُ إذا دخَلَ فيها، ولَزِمتهُ أحكامُها إلّا بوَحي من الله، وأمّا من بَعدَهُ، فليسَ ذلك حُكْمَهُ بوَجْهٍ من الوُجُوهِ، لأنَّ الوَحْيَ بعدَهُ قدِ انْقَطعَ - صلى الله عليه وسلم -.

وفي هذا الحديث: بيانُ فَضْلِ المدينةِ، وأنَّها بُقعةٌ مُبارَكةٌ لا يَسْتوطِنُها إلّا المَرْضيُّ من النّاس، وهذا عِنْدي إنَّما كان بالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مُنذُ نَزَلَها، وقد كانت قبلَهُ كسائرِ ديارِ الكُفْرِ، ولمّا تُوفِّي رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَقِيَ فضلُ قبرِهِ ومَسْجِدِهِ، والمدينةُ لا يُنكَرُ فضلُها.


(١) أخرجه أحمد في مسنده ٢٤/ ٣٦٤ (١٥٥٩٨)، والبخاري (٦٣١، ٦٠٠٨، ٦٢٤٧)، ومسلم، (٦٧٤)، والنسائي في المجتبى ٢/ ٨، ٧٧، وفي الكبرى ١/ ٤١٩، و ٢/ ٢٣٥ (٨٥٨، ١٦١٠)، وابن خزيمة (٣٩٧)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار ٤/ ٤٢٨ (١٧٢٥)، وابن حبان ٤/ ٥٤١ (١٦٥٨)، والدارقطني في سننه ٢/ ٩ (١٠٦٨)، والبيهقي في الكبرى ٢/ ١٧، و ٣/ ٥٤، من طريق أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث، به. وانظر: المسند الجامع ١٥/ ٢٤ - ٢٥ (١١٣٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>