للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنْ فعَلتْ لعَنتْها ملائكةُ اللَّه، وملائكةُ الرحمة، وملائكةُ الغَضَب، حتى تتوبَ أو تُراجِعَ". قالت: يا رسولَ اللَّه، وإن كان لها ظالمًا؟ قال: "وإن كان لها ظالمًا". قالت: والذي بعثَكَ بالحقِّ، لا يملكُ عليَّ أمري أحدٌ بعدَها أبدًا ما بَقِيتُ.

فإن كان ما أطْعَمتْه أمُّ حرام رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من مالِ زوجِها عُبادةَ بنِ الصامتِ ولم يكنْ من مالِها، ففي هذا الحديثِ أيضًا إباحةُ أكلِ مالِ الصديقِ بغيرِ إذنِه، وقد اختلَف فيه العلماءُ إذا كان يَسيرًا، ليس مثلُهُ يُدَّخَرُ ولا يُتموَّلُ، ولم يَختلِفُوا في الكثيرِ الذي له بال، ويَحضُرُ النفسَ عليه الشُّحُّ به، أنّه لا يَحِلُّ إلّا عن طِيبِ نفسٍ من صاحبِه.

واختلَفوا في تأويل (١) قولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} [النور: ٦١]. وقد ذكَرنا هذا المعنَى فيما تقدَّم من كتابِنا هذا (٢)، والحمدُ للَّه.

ومَنْ أجاز أكلَ مالِ الصديقِ بغيرِ إذنِه فإنّما أباحَه ما لم يتَّخِذ الآكِلُ خُبْنَةً (٣)، ولم يَقصدْ بذلك وقايةَ مالِه، وكان تافهًا يَسيرًا، ونحوَ هذا.

وأمّا قولُه: "ناسٌ من أمَّتي عُرضُوا علَيَّ غُزاةً في سبيلِ اللَّه" فإنّه أراد، واللَّهُ أعلمُ، أنّه رأى الغُزاةَ في البحرِ من أُمَّتِه مُلُوكًا على الأسِرَّةِ في الجَنَّة، ورُؤياه وَحْيٌ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويَشهَدُ لقوله: "مُلُوكًا على الأسِرَّة" ما ذكَر اللَّهُ عزَّ وجلَّ في أهل الجَنّةِ بقوله: {عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} [يس: ٥٦]. قال أهلُ التفسير: الأرائِكُ: السُّرُرُ


(١) "تأويل" لم ترد في الأصل، وهي ثابتة في ق، ف ١.
(٢) سيأتي في شرح الحديث الثاني والثلاثين لنافع، عن عبد اللَّه بن عمر رضي عنهما في موضعه إن شاء اللَّه تعالى.
(٣) الخُبْنَة: مَعْطِفُ الإزار، وطَرَفُ الثوب، أي: لا يأخذ منه في ثوبه، يقال: أخْبَنَ الرّجلُ: إذا خبَأ شيئًا في خُبْنِه: ثوبِه أو سراويلِه. النهاية في غريب الحديث ٢/ ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>