للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ولو أنَّ رَجُلًا أرادَ من رجُلٍ لهُ بئرٌ، فضلَ مائهِ في تلك البِئرِ، ليَسْقِي بذلكَ زَرْعهُ، لم يكُن ذلك له، وكان لمالكِ البِئرِ مَنْعُهُ من ذلكَ، لأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - إنَّما أباحَهُ في الشِّفاهِ، التي يُخافُ في منع الماءِ منها التَّلفُ عَليها، ولا تلَفَ على الأرضِ، لأنَّها ليست برُوح، فليسَ لصاحِبِها أن يَسْقي، إلّا بإذنِ ربِّ الماءِ.

قال: وإذا حمَلَ الرَّجُلُ الماءَ على ظَهْرِهِ، فلا بأسَ أن يَبْيعهُ من غيِر، لأنَّهُ مالكٌ لما حملَ منهُ، وإنَّما يبيعُ تَصرُّفهُ بحَمْلهِ.

قال: وكذلكَ لو جاءَ رجُلٌ على شَفيرِ بئرٍ، فلم يستطِع أن ينزعَ بنَفْسِهِ، لم يكُن بأسٌ أن يُعطِي رجُلًا أجرًا، وينزعَ لهُ، لأنَّ نَزْعهُ الماءَ (١) إنَّما هُو إجارةٌ ليست عليه. هذا كلُّهُ قولُ الشّافِعيِّ.

وأمّا جُملةُ قولُ مالكٍ وأصحابِهِ في هذا البابِ فذلكَ: أنَّ كلَّ من حفَرَ في أرضِهِ، أو دارِهِ بئرًا، فلهُ بيعُها، وبيعُ مائها كلِّهِ، ويبيعُ فضلِ مائها (٢) ولهُ مَنعُ المارَّةِ من مائها، إلّا بثمنٍ. إلّا قومًا لا ثمَنَ معهُم، وإن تُرِكُوا إلى أن يرِدُوا ماءً غيرَهُ هَلَكُوا، فإنَّهُم لا يُمنَعُونَ، ولهم جِهادُهُ إن مَنَعهُم ذلك (٣).

وأمّا ما حُفِرَ (٤) من الآبارِ في غيرِ مِلكٍ مُتَعَيَّن (٥) لماشيةٍ أو شَفَةٍ، وما حُفِرَ في الصَّحاري، كمَواجِل (٦) المغرِبِ، وأنطابُلُس (٧)، وأشباهِ ذلكَ، فلا يُمنَعُ أحدٌ


(١) سقطت هذه اللفظة من م.
(٢) قوله: "ويبيع فضل مائها" لم يرد في م.
(٣) انظر: المدونة ٣/ ٤٣٩ - ٤٤٠. وانظر فيها أيضًا ما بعده.
(٤) في م: "وأما من حفر"، والمثبت من الأصل.
(٥) في م: "معين"، والمثبت من الأصل.
(٦) المواجل: صهاريج عظيمة للماء في برقة. انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي ٥/ ٢٣١.
(٧) أنطابُلُسَ، معناه بالرومية خمس مدن، وهي مدينة بين الإسكندرية وبرقة، وقيل: هي مدينة ناحية برقة. انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي ١/ ٢٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>