للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا الحديثِ تفسيرٌ لقولِ الله عزَّ وجلَّ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠]. وهُو يخرَّجُ في التَّفسيرِ المُسندِ، وذلك أنَّ لفظَ النِّكاح في جميع القُرآنِ، إنَّما أُريدَ به العَقْدُ، لا الوَطْءُ، إلّا في قولهِ عزَّ وجلَّ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}، فإنَّهُ أرادَ بلفظِ النِّكاح هاهُنا، العَقْدُ والوطءُ جميعًا، بدليلِ السُّنَّةِ الوارِدةِ في هذا الحديثِ، وذلك قولُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تحِلُّ لهُ حتَّى تَذُوقَ العُسَيلةَ". والعُسَيلةُ هاهُنا: الوَطْءُ، لا يختلفُون في ذلك.

وفي هذا حُجَّةٌ واضحةٌ لما ذهَبَ إليه مالكٌ في الإيمان: أنَّهُ لا يقعُ التَّحليلُ منها والبِرُّ، إلّا بأكملِ الأشياءِ، وأنَّ التَّحريمَ يَقَعُ بأقلِّ شيءٍ، ألا تَرى أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لمّا حرَّمَ على الرَّجُل نِكاحَ حَلِيلةِ ابنِهِ، وامرأةِ أبيهِ، وكان الرَّجُلُ إذا عقَدَ على امرأةٍ نِكاحًا، ولم يَدْخُل بها، ثُمَّ طلَّقها: أنَّها حَرامٌ على ابنِهِ وعلى أبيهِ؟ وكذلك لو كانت لهُ أمَةٌ، فلَمَسها بشَهْوةٍ، أو قبَّلها، حَرُمت على ابنِهِ (١)، وعلى أبيهِ.

فهذا يُبيِّنُ لكَ أنَّ التَّحريمَ يَقَعُ ويدخُلُ على المرءِ بأقلِّ شيءٍ، وكذلكَ لو طلَّقَ بعضَ امرأةٍ، طُلِّقت كلُّها.

وكذلكَ لو ظاهَرَ من بعضِها، لزِمهُ الظِّهارُ الكامِلُ، ولو عقَدَ على امرأةٍ بعضَ نِكاح، أو على بعضِ امرأةٍ نِكاحًا، لم يصحَّ، وكذلكَ المبتُوتةُ لا يُحِلّها عَقدُ النِّكاح عليها، حتَّى يدخُل بها زَوْجُها (٢)، ويَطأها وطئًا صحيحًا.

ولهذا قال مالكٌ في نِكاح المُحلِّل: إنَّهُ يحتاجُ أن يكونَ نِكاح رَغْبةٍ، لا يُقصدُ به التَّحليلُ، ويكونَ وطؤُهُ لها، وطئًا مُباحًا، لا تكونُ صائمَةً، ولا مُحْرِمَةً، ولا في حَيْضتِها، ويكونُ الزَّوجُ بالغًا مُسلمًا (٣).


(١) في م: "أبيه"، خطأ.
(٢) في ظا: "الزوج".
(٣) انظر: الكافي في فقه أهل المدينة، ص ٢٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>