للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا مَوْضِعٌ اختلَفَ العُلماءُ فيه، مع إجماعِهِم أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُؤَذَّنُ لهُ في حَياتِهِ كلِّها لكلِّ صَلاةٍ، في سَفَرٍ وحَضَرٍ، وأنَّهُ ندَبَ المُسلمينَ إلى ذلك (١) وسَنَّهُ لهم، وكان - صلى الله عليه وسلم - في غَزَواتِهِ كُلِّها (٢) إذا سمِعَ أذانًا، كفَّ وعلِمَ أنَّها دارُ إيمانٍ، وإذا لم يَسْمعهُ أغارَ، وكان يأمُرُ بذلكَ سَراياهُ. وقال الله عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا} [المائدة: ٥٨]. وقال: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} الآيةَ [الجمعة: ٩]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا نُودِيَ للصَّلاةِ، أدبَرَ الشَّيطانُ ... " الحديثَ (٣).

واختَلَف الفقهاءُ في وُجُوبِ الأذانِ (٤)، فالمشهُورُ من مذهَبِ مالكٍ وأصحابِهِ (٥) أنَّ الأذانَ إنَّما هُو للجَماعاتِ، حيثُ يجتمِعُ النّاسُ للأئمَّةِ، فأمّا ما سِوَى ذلك من أهل الحَضرِ، والسَّفرِ، فالإقامة (٦) تُجزئُهم.

واختلَفَ المُتأخِّرُونَ من أصحابِ مالكٍ على قولينِ في وُجُوبِ الأذانِ، فقال بعضُهُم: الأذانُ سُنَّهٌ مُؤَكَّدةٌ واجِبةٌ على الكِفايةِ، وليسَ بفَرْضٍ. وقال بعضُهُم: هُو فرضٌ على الكِفايةِ في المِصرِ خاصَّةً.

وقولُ أبي حَنِيفةَ وأصحابِه: أنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدةٌ على الكِفايةِ (٧).


(١) في ظا، م: "لذلك"، والمثبت من الأصل.
(٢) "كلها" سقطت من م.
(٣) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ١٧١ (١٧٧).
(٤) ينظر: الأوسط لابن المنذر ٣/ ٢٤.
(٥) في ظا، م: "عنه وعن أصحابه"، والمثبت من الأصل.
(٦) في م: "فإن الإقامة"، والمثبت من الأصل.
(٧) وقال ابن قدامة في المغني ١/ ٣٠٣ - ٣٠٤: "وظاهر كلام الخرقي: أن الأذان سنة مؤكدة وليس بواجب، لأنه جعل تركه مكروهًا، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي لأنه دعاء إلى الصلاة ... وقال أبو بكر عبد العزيز: هو من فروض الكفايات، وهذا قول أكثر أصحابنا، وقول بعض أصحاب مالك".

<<  <  ج: ص:  >  >>