للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال مالكٌ وأصحابُهُ: العبدُ (١) يملكُ مالهُ، كما يملكُ عِصْمةَ نِكاحِهِ، وجائزٌ لهُ التَّسرِّي فيما ملَكَ.

وحُجَّتُهُم قولُ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "من باعَ عبدًا ولهُ مالٌ" (٢). فأضافَ المالَ إليه، وقال الله عزَّ وجلَّ: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ٢٥] فأضافَ أُجُورهُنَّ إليهنَّ، إضافَةَ تمليكٍ. وهذا كلُّهُ قولُ داودَ أيضًا، وأصْحابِهِ، إلّا أنَّ داودَ يجعلُهُ مالكًا مِلْكًا صحيحًا، ويُوجِبُ عليه زكاةَ الفِطْرِ والزَّكاةَ في مالهِ.

ومن الحُجَّةِ لمالكٍ أيضًا: أنَّ عبدَ الله بن عُمرَ كان يأذنُ لعبيدِهِ في التَّسرِّي فيما بأيديهِم (٣)، ولا مُخالفَ لهُ من الصَّحابةِ، ومُحالٌ أن يَتَسرَّى فيما لا يملكُ، لأنَّ الله لم يُبِح الوَطْءَ إلّا في نِكاح، أو مِلْكِ يمينٍ.

وجعل الشّافِعيُّ والعِراقيُّون، ومن قال بقولهِم، إضافَةَ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مالَ العَبْدِ إلى العَبْدِ، كإضافَةِ ثَمرِ النَّخلِ إلى النَّخل، وكإضافةِ بابِ الدّارِ إلى الدّارِ، بدليل قوله: "فمالُهُ للبائع". أي: فمالُهُ للبائع حَقِيقةً. قالوا: والعَرَبُ تقولُ: هذا سَرْجُ الدّابَّةِ، وغَنَمُ الرّاعي. ولا تُوجِبُ هذه الإضافةُ تمليكًا، فكذلكَ إضافةُ مالُ العبدِ إليه عِندهُم.

ومن حُجَّتهم (٤) أيضًا، الإجماعُ على أنَّ للسَّيِّدِ انتِزاعَ مالِ عبدِهِ من يَدِهِ، فلو كان مِلْكًا صحيحًا، لم يُنتزع منهُ. وإجماعُهُم على أنَّ مالَهُ لا يُورَثُ عنهُ وأنَّهُ لسيِّدِهِ.

والحُجَّةُ لكِلا القولينِ تكثُرُ وتطُولُ، وقد أكثرَ القومُ فيها وطوَّلُوا، وفيما ذكَرْنا ولوَّحنا وأشَرْنا إليه كِفايةٌ.


(١) هذه الكلمة سقطت من ض، م.
(٢) سلف تخريجه قريبًا.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (١٦٥٣٥)، والبيهقي في الكبرى ٧/ ١٥٢.
(٤) في م: "الحجة"، والمثبت من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>