للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا الشّافِعيُّ، فقولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَبِعْ بعضُكُم على بَيع بعضٍ". معناهُ عندَهُ أن يبتاع الرَّجُلُ السِّلْعةَ فيَقْبِضُها ولم يَفْترِقا، وهُو مُغْتبِطٌ بها غيرُ نادِم عليها، فيأتيهِ قبلَ الافْتِراقِ من يَعْرِضُ عليه مِثل سلْعتِهِ، أو خيرًا منها، بأقلَّ من ذلك الثَّمنِ، فيَفْسَخَ بيعَ صاحِبِهِ، لأنَّ الخِيارَ قبل التَّفرُّقِ، فيكونُ هذا فسادًا (١).

قال أبو عُمر: وأمّا قولُهُ - صلى الله عليه وسلم - "لا يَسُمِ (٢) الرَّجُلُ على سَوم أخيهِ" (٣). فيُشبِهُ أن يكونَ مذهبُ الشّافِعيِّ في تأويلِ هذا اللَّفظِ، كمذهبِ مالكٍ وأصحابِهِ، في قولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَبِعْ أحدُكُم على بَيع أخيهِ، ولا يَسِم على سَوْمِهِ"، واللّه أعلمُ.

ولا خِلافَ عن الشّافِعيِّ وأبي حَنِيفةَ، في أنَّ هذا العقدَ صحيحٌ، وإن كُرِهَ لهُ ما فعلَ. وعليه جُمهُورُ العُلماءِ.

ولا خِلاف بينهم في كراهيةِ بَيْع الرَّجُل على بيع أخيهِ المُسلم، وسَوْمِهِ على سَوْم أخيهِ المُسلم. ولم أعلم أحدًا منهُم فسَخَ بيع من فعلَ ذلكَ، إلّا ما ذكرتُ لك عن بعضِ أصحابِ مالكِ بن أنسٍ ورواهُ أيضًا عن مالكٍ، وأمّا غيرُهُ، فلا يُفسَخُ البيعُ عندَهُ، لأنَّهُ أمرٌ لم يتِمَّ أوَّلًا، وقد كان لصاحِبِهِ أن لا يُتمَّهُ إن شاءَ.

وكذلكَ لا أعلمُ خِلافًا في أنَّ الذِّمِّيَّ لا يجُوزُ لأحَدٍ أن يبيعَ على بيعِهِ، ولا يسُومَ على سَوْمِهِ، وأنَّهُ والمُسلمُ في ذلك سَواءٌ، إلّا الأوزاعيَّ، فإنَّهُ قال:


(١) انظر: الاستذكار ٦/ ٥٢٢، والمغني لابن قدامة ٤/ ١٦١.
(٢) في ظا، ض، م: "لا يسوم"، والمثبت من الأصل.
(٣) أخرجه أحمد في مسنده ١٥/ ١٩٣، ٣١٧ (٩٣٣٤، ٩٥١٨)، والبخاري (٢٧٢٧)، ومسلم (١٥١٥)، وابن ماجة (٢١٧٢)، والنسائي في المجتبى ٧/ ٢٥٥، وفي الكبرى ٦/ ١٨ (٦٠٣٨)، والبزار في مسنده ١٥/ ٧٦، و ١٦/ ١٣٣ (٨٣١٢، ٩٢٢٢)، والدارقطني في سننه ٤/ ٤٥ (٣٠٧٢) من حديث أبي هريرة، به. وانظر: المسند الجامع ١٧/ ٢١٩ - ٢٢٠ (١٣٥٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>