للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: وإنَّما (١) الغِشُّ في بيع الطَّعام جُزافًا، ألّا يكونَ الموضِعُ الذي هُو عليه مُستويًا، ونحوُ ذلكَ من الغِشِّ المعرُوفِ، فأمّا عِلمُ البائع بمِقدارِ كَيْلهِ، فليسَ بغِشٍّ.

وممَّن قال: لا بأسَ أن يبيعَ الإنسانُ طعامًا قد عَلِمَ مِقدارُهُ مُجازفةً، مِمَّن لم يعلم مِقدارُهُ: الشّافِعيُّ وأبو حنيفةَ وأصحابُهُما (٢)، والثَّوريُّ، والحسنُ بن حيٍّ، وداودُ، وأحمدُ بن حَنْبل، والطَّبريُّ. ورُوِيَ ذلك عن الحَسنِ البصريِّ، على اختِلافٍ عنهُ.

ولم يختَلِفْ قولُ مالكٍ في هذه المسألة: أنَّ البائعَ إذا عَلِمَ بكيلِ طعامِهِ، وكتَمَ المُشْتري، كان ذلك عيبًا، وكان المُشتري بالخيارِ، بين التَّمسُّكِ والرَّدِّ (٣). وجميعُ الطَّعام، والإدامُ، في ذلك سواءٌ، وعِلمُ الكَيْل والوزنِ في ذلك سواءٌ، لم يختلف قولُ مالكٍ في شيءٍ من ذلك.

واختَلَفَ قولُ مالكٍ في المسألةِ الأُولى من هذا البابِ، فالمشهُورُ عنهُ ما قَدَّمنا ذِكْرهُ، وقد حَكَى أبو بكر بن أبي يحيى الوَقَارُ، عن مالكٍ، أنَّهُ قال: لا بَيْعَ ما اشْتُري من الطَّعام والإدام جُزافًا قبلَ قبضِهِ ونقلهِ، واختارهُ الوَقَارُ، وهُو الصَّحيحُ عِندي في هذه المسألةِ، لثُبُوتِ الخَبرِ بذلك عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وعَمَلِ أصحابِهِ، وعليه جُمهُورُ أهل العِلم.

وحدَّثنا عبدُ الله بن محمدٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بن بكرٍ، قال: حدَّثنا أبو


(١) في الأصل: "وأما"، ولا يصح، والمثبت من بقية النسخِ.
(٢) في م: "وأصحابه"، والمثبت من الأصل.
(٣) قال ابن قدامة في المغني ٤/ ٩٥: "بكر بن محمد، روي عن أبيه، أنه سأله عن الرجل يبيع الطعام جزافًا وقد عرف كيله، وقلت له: إن مالكًا يقول: إذا باع الطعام ولم يعلم المشتري فإن أحب أن يرد رده. قال: هذا تغليظ شديد، ولكن لا يعجبني إذا عرف كيله إلا أن يخبره، فإن باعه فهو جائز عليه وقد أساء. ولم ير أبو حنيفة والشافعي بذلك بأسًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>