للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمرَ: قد أكثَرَ الشّافِعيُّون في بُطلانِ ما اعتلَّ به المالكيُّون والحَنَفيُّونَ في هذه المسألةِ، فمِن جُملةِ ذلك، أنَّهُم قالوا: لا حُجَّةَ فيما نزَعَ به المُخالِفُ من قولِ الله عزَّ وجلَّ: {أَوْفُوا بِالْعُقُود} [المائدة:١]، لأنَّ هذا عُمُومٌ، تَعْترِضُهُ ضُرُوبٌ من التَّخصيصِ، وإنَّما (١) يجِبُ أن يُوفِّي به من العُقُودِ، ما كان عَقْدًا صحيحًا في الكِتابِ والسُّنَّةِ، أو في أحَدِهِما، وما لم يَكُن كذلكَ، فليسَ يجِبُ الوَفاءُ به، ألا ترَى أنَّهُما لو عقَدا بيعًا في الطَّعام قبلَ أن يُسْتَوفى، أو عقَدا بيعًا على شيءٍ من الرِّبا، أو على شيءٍ من البُيُوع المنهيِّ عنها المكرُوهةِ التي ورَدَتِ السُّنة بإبطالهِا، هل كان يجِبُ الوَفاءُ بشيءٍ من ذلك؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ عَملٍ ليسَ عليه (٢) أمرُنا فهُو رَدٌّ" (٣). و: "لا طاعَةَ إلّا في المعرُوفِ" (٤).

وأمّا ما اعتلُّوا به من ظواهِرِ الآثارِ، فغيرُ لازِم، لأنَّ البيعَ لا يتمُّ إلّا بالافْتِراقِ، فلا وجهَ لِما قالُوه.

وأمّا اعْتِلالُهُم بقولِهِ - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ عَمرِو بن شُعيبٍ، عن أبيهِ، عن جدِّهِ: "ولا يحِلُّ لهُ أن يُفارِقهُ خَشْيةَ أن يَسْتقيله" (٥). فإنَّ هذا معناهُ، إن صحَّ، على النَّدبِ، بدليلِ قولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "من أقالَ مُسلِمًا، أقال الله عَثْرَتهُ" (٦). وبِإجماع المُسلِمينَ


(١) في الأصل: "ومما"، بدل: "وإنما".
(٢) في الأصل: "على"، والمثبت من ظا.
(٣) أخرجه أحمد في مسنده ٤٢/ ٦٢، ٢٩٩ (٢٥١٢٨، ٢٥٤٧٢)، والبخاري (٢٦٩٧)، ومسلم (١٧١٨) من حديث عائشة، به.
(٤) أخرجه أحمد في مسنده ٢/ ٥٦، ٥٧، ١٢٨ (٦٢٢، ٧٢٤)، والبخاري (٤٣٤٠، ٧١٤٥، ٧٢٥٧)، ومسلم (١٨٤٠) من حديث علي.
(٥) في ظا: "يقيله". والحديث سيأتي بإسناده لاحقًا، ويخرج في موضعه.
(٦) أخرجه أبو داود (٣٤٦٠)، وابن ماجة (٢١٩٩)، وعبد الله بن أحمد في زياداته على المسند ١٢/ ٤٠٠ - ٤٠١ (٧٤٣١)، وابن حبان ١١/ ٤٠٥ (٥٠٣٠) من حديث أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>