للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على مَن ذكَرْنا قولَهم من الأئمة المتَّبعينَ في تحريم المسكِرِ ما ثبتَ من السُّنة، وأنا أذكُرُ ما حَكاه الطحاويُّ لِيَبِينَ لك أنَّ الأمرَ ليس كما ظَنُّوا:

قال أبو جعفر في كتابه الكبير في "الاختلاف" (١): اتَّفقَتِ الأمةُ أنَّ عَصيرَ العِنَب إذا اشْتَدَّ وغلَى، وقذَفَ بالزَّبَدِ، فهو خَمْرٌ، ومُسْتَحِلُّه كافِرٌ، واختَلَفوا في نَقيع التمر إذا غلَى وأسْكَرَ.

قال: فهذا يدُلُّ على أنَّ حديثَ يحيى بنِ أبي كثير، عن أبي كثير، عن أبي هريرة، عن النبيِّ عليه السلامُ، أنّه قال: "الخمرُ من هاتينِ الشجرتَيْن؛ النخلةِ والعِنبة" (٢). غيرُ مَعمُولٍ به عندَهم؛ لأنّهم لو قَبِلوا الحديثَ لأكفَروا مُسْتَحِلَّ نقيع التمر، فثَبَت أنّه لم يدخُلْ في الخمرِ المحَرَّمةِ غيرُ عصيرِ العِنَب الذي قد اشتَدَّ وبلَغ أنْ يُسْكِرَ.

قال: ثم لا تَخْلُو الخمرُ من أن يكونَ التحريمُ مُعلَّقًا بها فقط، غيرَ مَقِيسٍ عليها غيرُها أو يجبُ القياسُ عليها، فوجَدْناهم جميعًا قد قاسُوا عليها نقيعَ التمرِ إذا غلَى وأسْكَرَ كثيرُه، وكذلك نَقيعُ الزَّبيب.

قال: فوَجَبَ قياسًا على ذلك أن يُحرَّمَ كلُّ ما أسكَرَ من الأشْرِبة.

قال (٣): وقد رُوِيَ عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنّه قال: "كلُّ مُسْكِرٍ حَرامٌ"، واستُغْنِيَ عن ذِكْرِ سندِه؛ لقَبولِ الجميع له، وإنّما الخلافُ بينَهم في تأويلِه؛ فقال بعضُهم: أراد به ما يقَعُ السُّكْرُ عندَه، كما لا يُسَمَّى قاتِلًا إلّا مع وُجودِ القتل. وقال آخرون: أراد به جِنْسَ ما يُسْكِرُ.


(١) مختصر اختلاف العلماء له ٤/ ٣٧٤.
(٢) سلف تخريجه.
(٣) مختصر اختلاف العلماء ٤/ ٣٧٤ - ٣٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>