للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمّا قولُهُ في هذا الحديثِ وغيرِهِ: "غُسلُ يوم الجُمُعةِ واجِبٌ"، فقد مَضَى القولُ في سُقُوطِ وُجُوبه من جِهةِ الأثرِ (١) والنَّظرِ بالدَّلائلِ الواضِحةِ، في بابِ ابن شِهاب، عن سالم، من كِتابِنا هذا. والأصلُ أنْ لا فرضَ إلّا بيقينٍ.

وأمّا من ذهَبَ إلى أنَّ الغُسلَ لليَوم، فليسَ بشيءٍ، لإجماعِهِم على أنَّهُ لوِ اغتسَلَ بعد الجُمُعةِ في باقي اليوم لم يكُن مُغتسِلًا، وأنَّهُ غيرُ مُصيبٍ في فِعلِهِ، فدلَّ هذا على أنَّ الغُسلَ للرَّواح إلى الصَّلاةِ.

وإذا حُمِلتِ الآثارُ على هذا صحَّتْ ولم تتعارَضْ، فهذا أوْلى ما في هذا البابِ.

وقال أبو بكرٍ الأثرمُ: سُئلَ أحمدُ بن حَنْبل، عن الذي يغتسِلُ سحرًا للجُمُعةِ (٢) ثُمَّ يُحدِثُ، أيغْتسِلُ أم يُجزِئُهُ الوُضُوءُ؟ فقال: يُجزِئُهُ الوضوء، ولا يُعيدُ الغُسلَ. ثُمَّ قال: ما سمِعتُ في هذا (٣) أعلى من حديثِ ابنِ أبْزَى (٤).

قال أبو بكرٍ: حدَّثناهُ أبو بكر بن أبي شيبةَ، قال (٥): حدَّثنا سُفيانُ بن عُيَينةَ، عن عَبْدةَ بن أبي لُبابةَ، عن سَعيدِ بن عبدِ الرَّحمنِ بن أبْزَى، عن أبيهِ: أَنَّهُ كان يغتسِلُ يومَ الجُمُعةِ، ثُمَّ يُحدِثُ بعدَ الغُسلِ، فيتوضَّأُ، ولا يُعيدُ غُسْلًا.

وأجمعَ العُلماءُ على أنَّ غُسلَ الجُمُعةِ ليسَ بواجِبٍ، إلَّا طائفةً من أهْلِ الظّاهِرِ قالوا بوُجُوبِهِ، وشَدَّدُوا في ذلك، وأمّا سائرُ العُلماءِ والفُقهاءِ، فإنَّما هُم فيه على قولينِ، أحدُهُما: أَنَّهُ سُنَّةٌ، والآخرُ: أَنَّهُ مُستحبٌّ، وأنَّ الأمرَ به كان لعِلَّةٍ فسقَطَ، والطِّيبُ


(١) في الأصل: "سقوطه من جهة الآثار".
(٢) في ض: "مهجرًا للجمعة".
(٣) زاد هنا في م: "حديثًا".
(٤) انظر: الاستذكار ٢/ ١٨.
(٥) في المصنَّف (٥٠٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>