للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحُجَّةُ في ذلك: أنَّ السُّنَّةَ لمّا ورَدَت بأن يعتِقَ عليه نصيبُ شَريكِهِ، كان أحرى بأن يعتِقَ عليه فيه مِلْكُهُ، لأَنَّهُ مُوسِرٌ به، مالكٌ لهُ. وهذه سُنَّةٌ وإجماعٌ.

وفي مِثلِ هذا قالوا: ليسَ للّه شريكٌ.

وقد جاءَ عن الحَسنِ: يُعتِقُ الرَّجُلُ من عَبدِهِ ما شاءَ (١). وهذا نحوُ قولِ أبي حنيفةَ، ورُوي مِثلُهُ عن عليٍّ رضي الله عنهُ (٢).

وبه قال أهلُ الظّاهِرِ، كما يهبُ من عَبدِهِ ما شاءَ. وروَوْا في ذلك خَبرًا عن إسماعيلَ بن أُميَّةَ، عن أبيهِ، عن جدِّهِ: أنَّهُ أعتقَ نِصفَ عَبْدٍ، فلم يُنكِر رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عِتقَهُ. ذكر أبو داود في "السُّننِ" (٣).

وعنِ الشَّعبيِّ (٤) وعُبيدِ الله بن الحسنِ، مِثلُ قولِ أبي حَنِيفةَ سواءً.

ومِن الحُجَّةِ أيضًا في إبطالِ السِّعايةِ، حديثُ عِمْرانَ بن حُصينٍ: أنَّ رجُلًا أعتَقَ سِتَّةَ مملُوكينَ لهُ عندَ الموتِ، وليسَ لهُ مالٌ غيرَهم، فأقْرَعُ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَيْنهُم، فأعتَقَ ثلثهُم، وأرقَّ الثُّلُثينِ، ولِم يَسْتَسعِهِم (٥).

وقال الكُوفيُّونَ في هذه أيضًا: يعتِقُ العَبِيدُ كلُّهُم، وَيسْعون في ثُلثي قيمتِهِم للوَرَثةِ، فخالَفُوا السُّنَّةَ أيضًا برأيِهِم.

وسنذكُرُ هذا الحديثَ، وما للعُلماءِ في معناهُ من الأقوالِ، في بابِ يحيى بن سعيدٍ إن شاءَ الله.


(١) انظر: مصنف عبد الرزاق (١٦٧٠٩) وابن أبي شيبة (٢١٠٩٧).
(٢) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (٢١٠٩٦).
(٣) بل أخرجه في المراسيل (١٩٧). وأخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (١٩٧٠٥) عن عمرو بن حوشب، عن إسماعيل، به. ومن طريقه أخرجه أحمد في مسنده ٢٤/ ١٢٦ - ١٢٧ (١٥٤٠٢)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (٥٣٢)، والطبراني في الكبير ٦/ ٦١، ٦٢ (٥٥١٧)، والبيهقي في الكبرى ١٠/ ٢٧٤.
(٤) في مصنف ابن أبي شيبة (٢١٠٩٣).
(٥) سيأتي بإسناده من عدة طرق في الحديث الثامن والأربعين ليحيى بن سعيد، وهو في الموطأ ٢/ ٣٢٥ (٢٢٤٤) من مرسل الحسن وابن سيرين، وانظر تخريجه في موضعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>