للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: ومن ملَكَ شِقْصًا مِمَّن يعتِقُ عليه بأيِّ وجهٍ مَلَكهُ، سِوَى الميراثِ، فإنَّهُ يعتِقُ عليه جَمِيعُهُ، إن كان مُوسِرًا، بعدَ تقويم حِصَّةٍ من شَرِكَهُ فيه، ويكونُ الولاءُ لهُ، وهذا قولُ جُمهُورِ الفُقهاءِ.

فإن مَلَكهُ بميراثٍ، فقدِ اخْتَلفُوا في عِتْقِ نصيبِ شَريكِهِ عليه، وفي السِّعايةِ، على حَسَبِ (١) ما قَدَّمنا من أُصُولِهِم.

وفي تَضْمينِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - المُعتِقَ لنصيبِهِ من عبدٍ بينهُ وبين غيرِهِ قيمَةَ باقي (٢) العبدِ، دُونَ أن يُلزِمَهُ الإتيانَ بنِصفِ عبدٍ مِثلِهِ، دليلٌ على أنَّ منِ استهلكَ، أو أفسدَ شيئًا من الحَيَوانِ، أوِ العُرُوضِ التي لا تُكالُ ولا تُوزنُ، فإنَّما عليه قيمَةُ ما اسْتَهلكَ من ذلكَ، لا مِثلُهُ.

وهذا موضِعٌ اختلَفَ فيه العُلماءُ، فذهَبَ مالكٌ وأصحابُهُ، إلى أنَّ من أفسَدَ شيئًا من العُرُوضِ التي لا تُكالُ ولا تُوزنُ، أو شيئًا من الحَيَوانِ، فإنَّما عليه القيمةُ، لا المِثلُ، بدليلِ هذا الحديثِ. قال مالكٌ: والقيمةُ أعْدَلُ في ذلكَ.

وذهَبَ جماعةٌ من العُلماءِ، منهُمُ الشّافِعيُّ وداودُ: إلى أنَّ القيمةَ لا يُقْضَى بها إلّا عندَ عدم المِثلِ. وحُجَّتُهُم في ذلكَ، ظاهِرُ قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦]، ولم يَقُل: بقيمَةِ ما عُوقِبتُم به. وهذا عندَهُم على عُمُومِهِ في الأشياءِ كلِّها، على ما يحتمِلُهُ ظاهِرُ الآية.

واحتجُّوا أيضًا من الآثارِ، بما حدَّثناهُ عبدُ الله بن محمدٍ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ بكرٍ، قال: حدَّثنا أبو داودَ، قال (٣): حدَّثنا مُسدَّدٌ، قال: حدَّثنا يحيى. قال أبو داودَ:


(١) في م: "حسبه".
(٢) هذه اللفظة سقطت من الأصل.
(٣) في سننه (٣٥٦٧). وأخرجه أحمد في مسنده ١٩/ ٨٤ (١٢٠٢٧)، والبخاري (٢٤٨١، ٥٢٢٥)، وابن ماجة (٢٣٣٤)، والترمذي (١٣٥٩)، والنسائي في المجتبى ٧/ ٧٠، وفي الكبرى ٨/ ١٥٥ (٨٨٥٣)، وأبو يعلى (٣٧٧٤)، وابن الجارود في المنتقى (١٠٢٢) من طريق حميد، عن أنس.
وانظر: المسند الجامع ٢/ ٧٨ - ٧٩ (٧٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>