للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هي وصيَّةٌ صَحِيحةٌ، وللوارِثِ الخيارُ في إجازَتها أو رَدِّها، فإن أجازُوا، فإنَّما هُو تنفيذٌ لِما أوصى به الميِّتُ. وقال بعضُهُم: لَيْست وصيَّةً صحيحةً، فإن أجازُوا فهي عَطِيَّةٌ منهُم مُبتَدأةٌ (١).

وقال المُزنيُّ، وداودُ، وأهلُ الظّاهِرِ: لا تجُوزُ وإن أجازَها الوَرَثةُ، وحسبُهُم أن يُعطُوهُ من أموالِهِم ما شاؤُوا (٢). وحُجَّتُهُم أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا وَصِيَّةَ لوارِثٍ" (٣)، ولم يَقُل: إلّا أن يُجِيزَها الوَرَثةُ.

وسائرُ العُلَماءِ من التّابِعينَ ومن بعدَهُم من الخالِفينَ يُجيزُونها؛ لأنَّهُم يَرَونَها عطيَّةً من الوَرَثةِ، بعضِهم لبعضٍ، فلذلك اعتَبرُوا فيها الجَوازَ بعدَ موتِ المُوصي؛ لأنَّهُ حينئذٍ يَصِحُّ مِلكُهُم، وتَصِحُّ عطيّتهُم.

واختلفَ الفُقهاءُ في إجازَةِ الوَرَثةِ الوصيَّةَ في حياةِ المُوصي إذا أوصَى لوَرثتِهِ، أو بأكثرَ من ثُلُثِهِ واسْتَأذَنهُم في ذلكَ وهُو مَريضٌ، فقال مالكٌ: إذا كان مريضًا واستأذِنَ وَرَثتَهُ في أن يُوصيَ لوارِثٍ، أو يُوصِيَ بأكثرَ من ثُلُثِهِ، فأذِنُوا لهُ وهُو مريضٌ محجُوبٌ (٤) عن أكثرَ من ثُلُثِهِ، لَزِمهُم ما أجازُوا من ذلك (٥).

وقال الثَّوريُّ، وأبو حنيفةَ، والشّافِعيُّ، وأصحابُهُم، وأحمدُ، وأكثرُ أهلِ العِلم: لا يَلْزمُهُم حتَّى يُجيزُوا بعدَ موتِهِ، وسواءٌ أجازُوا ذلكَ في مَرضِهِ أو صِحَّتِهِ، إذا كان ذلك في حياتِهِ (٦).

وأجمعُوا أنَّهُم لو أجازُوا ذلكَ وهُو صحيحٌ، لم يَلْزمْهُم، وأجمعُوا أنَّهُم إذا أجازُوا ما أوصى به مُورِّثُهُم لوارِثٍ منهُم، أو أجازُوا وَصيَّتهُ بأكثرَ من الثُّلُثِ


(١) انظر: الاستذكار ٧/ ٢٦٧، وبداية المجتهد ٤/ ١١٩.
(٢) مختصر اختلاف الفقهاء ٥/ ٣٢.
(٣) سلف بإسناده قريبًا.
(٤) في م: "محجور"، وهو تحريف، والمثبت من الأصل وغيره.
(٥) انظر: المدونة ٤/ ٣٧٩.
(٦) ينظر: الحاوي الكبير ٨/ ٢٢٩، والمغني لابن قدامة ٦/ ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>