للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتجَّ الطَّحاويُّ لأبي حَنِيفةَ في إيجابِ زَكاةِ الفِطْرِ عن العبدِ الكافِر (١)، بأنْ قال: قولُهُ عليه السَّلامُ: "من المُسلِمينَ"، يعني: من يَلْزمُهُ إخراجُ الزَّكاةِ عن نَفْسِهِ وعن غيرِهِ، ولا يكونُ إلّا مُسلِمًا، وأمّا العَبْدُ فلم يدخُل في هذا الحديثِ؛ لأنَّهُ لا يِملِكُ شيئًا، ولا يُفرَضُ عليه شيءٌ، وإنَّما أُريدَ بالحديثِ مالكُ العَبْدِ، وأمّا العبدُ فلا يَلْزمُهُ في نفسِهِ زَكاةُ الفِطرِ، وإنَّما تَلْزمُ مولاهُ المُسلِمَ عنهُ، ألا تَرَى إلى إجماع العُلَماءِ في العَبدِ يَعْتِقُ قبلَ أن يُؤَدِّيَ عنهُ مولاهُ زَكاةَ الفِطْرِ، أَنَّهُ لا يَلْزمُهُ إذا ملكَ بعد ذلكَ مالًا إخراجُها عن نفسِهِ، كما يَلْزمُهُ إخراجُ كَفارَّةِ ما حَنِثَ فيه من الأَيْمانِ وهُو عبدٌ، وأنَّها (٢) لا يُكفِّرُها بصيام؟ ولو لَزِمتهُ صَدَقةُ الفِطْرِ، لأدّاها عن نَفسِهِ بعدَ عِتْقِهِ.

قال أبو عُمر: قولُهُ عليه السَّلامُ: "من المُسلِمينَ" يَقْضي لمالكٍ والشّافِعيِّ، وهُو النَّظرُ أيضًا؛ لأنَّهُ طُهْرةٌ للمُسلِمينَ وتَزْكيةٌ، وهذا سبيلُ الواجِباتِ من الصَّدقاتِ، والكافِرُ لا يَتَزكَّى، فلا وجَهَ لأدائها عنهُ.

وقال أبو ثَوْرٍ: يُؤَدِّي العبدُ عن نَفْسِهِ إن كان لهُ مال (٣). وهُو قولُ داود.

وقال مالكٌ: يُؤَدِّي زكاةَ الفِطْرِ عن مُكاتبِهِ (٤). وحُجَّتُهُ ما رُوِيَ عن النَّبيِّ عليه السَّلامُ، وعن جَماعةٍ من الصَّحابةِ: "المُكاتَبُ عبدٌ ما بَقِي عليه شيءٌ" (٥).

وقال الشّافِعيُّ، وأبو حنيفةَ، وأصحابُهُم: لا زَكاةَ عليه في مُكاتبِهِ (٦)؛ لأنَّهُ لا يُنفِقُ عليه وهُو مُنفرِدٌ بكسبِهِ (٧) دُونَ المولى، وجائزٌ لهُ أخذُ الصَّدقةَ (٨).


(١) نقله عنه في الاستذكار ٣/ ٢٥٩، ولم نقف عليه في كتبه.
(٢) في ظا، م: "وأنه"، والمثبت من الأصل.
(٣) الإشراف لابن المنذر ٣/ ٦٦ (١٠٣٨).
(٤) مختصر اختلاف العلماء ١/ ٤٦٦.
(٥) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٣٤٣ (٢٢٨٣).
(٦) مختصر اختلاف العلماء ١/ ٤٦٦.
(٧) في م: "فكسبه".
(٨) انظر: الاستذكار ٣/ ٢٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>