للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُرَدُّوا في حُقُوقِهِم ودَعاويهِم ومُعاملاتِهم (١) ومَواريثهم (٢) إلى أهْلِ دينِهِم، إلّا أن يأتُوا راغِبينَ في حدٍّ، فيُحكَمَ بينَهُم فيه بكِتابِ اللّه تعالى، قال اللّهُ عزَّ وجلَّ: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: ٤٢].

قال أبو عُمر: وقال آخرُونَ: واجِبٌ عليه أن يحكُمَ بينهُم بما أنزلَ اللّهُ، إذا تحاكَمُوا إليه. وزَعمُوا أنَّ قولهُ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: ٤٩]، ناسِخ للتَّخييرِ المذكُورِ في الآيةِ قَبل هَذا. رُوي ذلك عن ابن عبّاس (٣)، ومجُاهِدٍ، وعِكْرِمةَ (٤).

وهُو قولُ الزُّهْريِّ، وعُمرَ بن عبدِ العزيزِ، والسُّدِّيِّ (٥)، وأحدُ قولي الشّافِعيِّ، وقولُ أبي حَنِيفةَ، وأصحابِه، إلّا أنَّ أبا حَنِيفةَ قال: إذا جاءَتِ المَرْأةُ والزَّوجُ، فعليه أن يحكُمَ بينَهُما بالعَدْلِ، هان جاءَتِ المرأةُ وَحْدَها، ولم يرضَ الزَّوجُ، لم يحكُمْ. وقال أبو يوسُفَ، ومحمدٌ، وزُفَرُ: بل يَحكُمُ (٦).

وكذلكَ اختلَفَ أصحابُ مالكٍ على هَذَينِ القولينِ، إذا شَكا أحدُ الزَّوجينِ الذِّمِّيَّينِ، وأبَى صاحِبُهُ من التَّحاكُم بينهُما، والمشهُورُ من مذهبِ مالكٍ في الذِّمِّيَّيْنِ يَشْكُو أحدُهُما ويأبَى صاحِبُهُ من التَّحاكُم عندَنا: أنَّا لا نحكُمُ بينهُما إلّا بأن يتَّفِقا جميعًا على الرِّضا بحُكمِنا، فإن كان ظُلمًا ظاهِرًا، مُنِعُوا من أن يظلِمَ بعضُهُم بعضًا (٧).


(١) في د ٤: "وتعاملاتهم".
(٢) في م: "وموازينهم".
(٣) سيأتي عنه مسندًا، ويخرج في موضعه، وكذا ما بعده، عدا ما نخرجه.
(٤) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (١٠٠١٠)، وأبو عبيد في ناسخه، ص ١٨١، والطبري في تفسيره ١٠/ ٣٣١ (١١٩٨٧، ١١٩٨٨).
(٥) أخرجه الطبري في تفسيره ١٠/ ٣٣٢ (١١٩٩٥)، وابن أبي حاتم في تفسيره ٤/ ١١٣٦، بإثر رقم (٦٣٨٨).
(٦) تنظر التفاصيل في مختصر اختلاف العلماء ٣/ ٣٩١ فما بعد.
(٧) وانظر: المدونة ٢/ ٢٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>