للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال مالكٌ وجُمهُورُ أصحابِهِ في الذِّمِّيِّ والمُعاهِدِ والمُستأمنِ يَسْرِقُ من مالِ ذِمِّيٍّ: أنَّهُ يُقطَعُ، كما يُقطَعُ لو سرَقَ من مالِ مُسلِم؛ لأنَّ ذلكَ من الحِرابة (١) فلا يُقَرُّوا عليها، ولا على التَّلَصُّصِ.

قال أبو عُمر: الصَّحيحُ في النَّظرِ عِندي، ألّا يُحكَمَ بنسخ شيءٍ من القُرآنِ، إلّا بما قامَ عليه الدَّليلُ الذي لا مدفَعَ لهُ، ولا يحتمِلُ التَّأويلَ. وليسَ في قولِهِ عزَّ وجلَّ: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: ٤٩] دليلٌ على أنَّها ناسِخةً للآيةِ قبلَها؛ لأنَّها يَحتمِلُ معناها أن يكونَ: وأنِ احكُم بينهُم بما أنزلَ اللّهُ إن حكَمْتَ، ولا تتَّبِع أهواءَهُم، فتكونُ الآيتانِ مُسْتَعمَلَتينِ، غيرَ مُتدافِعتينِ.

واختلَفَ الفُقهاءُ أيضًا في اليهُوديَّينِ الذِّمِّيَّينِ إذا زَنَيا: هل يحُدّانِ، أم لا؟

فقال مالكٌ: إذا زَنَى أهلُ الذِّمَّةِ، أو شَرِبُوا الخمرَ، فلا يعرِضُ لهمُ الإمامُ، إلّا أن يُظْهِرُوا ذلكَ في ديارِ المُسلِمينَ، ويُدخِلُوا عليهمُ الضَّررَ، فيَمْنعُهُمُ السُّلطانُ من الإضرارِ بالمُسلِمينَ (٢). قال مالك (٣): وإنَّما رجَمَ رسُولُ اللّه -صلى الله عليه وسلم- اليَهُوديَّينِ لأنَّهُ لم يَكُن لليَهودِ (٤) يومئذٍ ذِمَّة، وتحاكمُوا إليه (٥).

وقال أبو حَنِيفةَ وأصحابُهُ: يُحَدّانِ إذا زَنَيا كحدِّ المُسلِم (٦)، وهُو أحَدُ قولي الشّافِعيِّ. وقال في كِتابِ الحُدُودِ: إن تَحاكمُوا إلَينا، فلنا أن نحكُم، أو نَدَعَ، فإن حكمنا حَدَدنا المُحصنَ بالرَّجم، لأنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- رجَمَ يهُوديَّينِ زَنَيا،


(١) في م: "الخيانة".
(٢) وانظر: المدونة ٤/ ٥١٨.
(٣) سقط من م.
(٤) قوله: "لليهود" لم يرد في الأصل.
(٥) مختصر اختلاف العلماء ٣/ ٢٨١.
(٦) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>