للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكَ عليها" (١). وهذا على الإطلاقِ على ما قد بيَّنّا فيما سلَفَ من كِتابِنا، في بابِ ابن شِهاب، عن سَهْلِ بن سعدٍ، وقال لهما رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهُ يَعْلمُ أنَّ أحدَكُما كاذِبٌ، فهل مِنكُما تائبٌ؟ ". وأخبَرَ أنَّ الخامِسةَ مُوجِبةٌ، يعني: أنَّها تُوجِبُ لَعْنةَ الله وغَضبَهُ، فلمّا جهِلَ الملعُونُ منهُما، وصحَّ أنَّ أحدَهُما قد لحِقَتهُ لَعْنةُ الله وغضَبُهُ فرَّقَ، والله أعلمُ بينهُما، لئلّا يجتمِعَ رجُلٌ ملعُونٌ وامرأةٌ غيرُ ملعُونةٍ.

ولَسْنا نعرِفُ أنَّ المرأةَ أُفرِدَت باللَّعنةِ، فنَقِيسَها على اليهُوديَّةِ الجائزِ نِكاحُها، ولا بأسَ أن يكونَ الأسفلُ ملعُونًا، كما أنَّهُ لا بأسَ أن يكونَ كافِرًا.

ولا سَبيلَ إلى مَعْرِفةِ مَن حقَّت عليه اللَّعنةُ منهُما، فمِنْ ها هُنا وَقَعتِ الفُرْقةُ، ولو أيقنّا أنَّ اللَّعنَةَ حقَّت على المرأةِ بكذِبِها، لم نُفرِّقْ بينَهُما.

هذا جُملةُ ما اعتلَّ به بعضُ أصحابِنا، وفي ذلكَ نَظَرٌ، والتَّلاعُنُ يَقْتضي التَّباعُدَ، وعليه جُمهُورُ السَّلفِ.

وفي قولِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لا سبيلَ لك عليها" كِفايةٌ ودلالةٌ صَحِيحةٌ على أنَّ اللِّعانَ هُو المُوجِبُ للفُرقةِ بينهُما، وأنَّ الحاكِمَ إنَّما يُنفِّذُ الواجِبَ في ذلكَ من حُكم الله تعالى ذِكرُهُ.

ولم يكُن تَفْريقُ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بين المُتلاعِنَيْنِ بعدَ اللِّعانِ اسْتِئنافَ حُكم، وإنَّما كان تنفيذًا لِما أوجَبهُ اللهُ تعالى باللِّعانِ بينَهُما، فالواجِبُ على سائرِ الحُكّام تنفيذُ الحُكْم بذلكَ، والتَّفريقُ بينهُما، فإن فَعلَ، فقد فَعلَ ما يجِبُ، وإن تَركَ كان الحُكْمُ بالفُرقَةِ بينهُما نافِذًا على حسَبِ ما ذكَرْنا.

واحتجَّ أصحابُ أبي حَنِيفةَ لقولِهِ: إذا الْتَعنا فرَّقَ الحاكِمُ بينهُما (٢)، بما


(١) سلف تخريجه قريبًا.
(٢) ينظر في الفرقة باللعان: مختصر اختلاف العلماء ٢/ ٥٠٥ (١٠٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>