للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: كلُّ من قال: إنَّ الفُرقةَ تَقَعُ باللِّعانِ دُونَ تفريقِ الحاكِم، من فُقهاءِ الأمصارِ خاصَّةً، يقولُونَ: إنَّ الفُرقةَ لا تَقَعُ بينهُما إلّا بتمام الْتِعانِهِما جميعًا، إلّا الشّافِعيَّ وأصحابهُ، فإنَّهُم قالوا: تَقَعُ الفُرقةُ بتمام الْتِعانِ الزَّوج وحدَهُ. وكلُّهُم يقولُونَ: إنَّ المرأةَ إذا أبَتْ أن تَلْتعِنَ بعد الْتِعانِ الزَّوج، وجَبَ عليها الحدُّ، وحدُّها -إن كانت غيرَ مدخُولٍ بها-: الجَلْدُ، وإن كانت مَدْخُولًا بها: الرَّجمُ.

إلّا أبا حَنِيفةَ وأصْحابهُ، فإنَّهُم قالوا: إن أبَتْ أن تَلْتعِن حُبِست أبدًا حتّى تَلْتعِنَ (١).

والحُجَّةُ عليهم قولُ الله عزَّ وجلَّ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: ٨] والسِّجنُ ليسَ بعذابٍ، والله أعلمُ، بدليل قولِ الله عزَّ وجلَّ: {إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف: ٢٥] فجعَلَ السِّجن غيرَ العذابِ، وقد سَمَّى الله الحدَّ عذابًا بقولِه: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٢]، وقولِهِ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ}.

وقد رُوي مِثلُ قولِ أبي حنيفةَ في هذه المسألةِ عن عَطاءٍ، والحارِثِ العُكْليِّ، وابن شُبرُمةَ. وهُو خِلافُ ظاهِرِ القُرآنِ، وخِلافُ ما عليه أكثرُ عُلماءِ المُسلِمينَ.

أخبرنا أبو محمدٍ عبدُ الله بن محمدٍ قِراءةً مِنِّي عليه، أنَّ محمد بن بكرٍ حدَّثهُم، قال: حدَّثنا أبو داود، قال: حدَّثنا أحمدُ بن محمدٍ المروزيُّ، قال: حدَّثنا عليُّ بن الحُسين (٢) بن واقِدٍ، عن أبيهِ، عن يزيدَ النَّحويِّ، عن عِكْرِمةَ، عن ابن عبّاسٍ،


(١) وفي الأم للشافعي ٧/ ٢٢: "قلتُ: فلم قلتَ: إذا أبت أن تلتعن حُبِست؟ قال: بقول بعض الفقهاء" وقال في موضع آخر ٧/ ٢٦: "إن التعن الزوج ولم تلتعن المرأة حُدّت إذا أبت أن تلتعن لقول الله عز وجل: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ} ".
(٢) في د ٤: "بن الحسن"، خطأ، والمثبت من الأصل، وانظر: تهذيب الكمال ٢٠/ ٤٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>