للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: نعم. قيل لهُ: فإن ابتدأني الضَّبُعُ، أوِ الهِرُّ، أوِ الثَّعلبُ، وأنا مُحرِم، فقَتَلتُها، أعليَّ في قولِ مالكٍ شيءٌ؟ قال: لا. وهُو رأيي، ألا تَرَى أنَّ رجُلًا لو عَدا على رجُل، فأرادَ قَتْلهُ، فدفَعَهُ عن نفسِهِ، لم يَكُن عليه شيءٌ؟

وقال أشهبُ (١): سألتُ مالكًا: أيقتُلُ المُحرِمُ الغُرابَ والحِدَأةَ من غيرِ أن يضُّرّا به؟ فقال: لا، إلّا أن يضُّرّا به، إنَّما أُذِنَ في قَتلِهِما إذا أضرّا، في رأيي، فأمّا أن يُصيبَهُما بَدْءًا، فلا أرى ذلك، وهُما صيدٌ، وليسَ للمُحرِم أن يصيدَ، وليسا مِثلَ العَقْربِ والفأر، والغُرابُ (٢) والحِدَأةُ صَيْدٌ، فلا يجبُ (٣) أن يُقتُلا في الحُرْم، خوفَ الذَّريعةِ إلى الاصطيادِ، فإن أضرّا بالمُحرِم، فلا بأسَ أن يقتُلَهما. قال: فقلتُ لهُ: أيصيدُ المُحرِمُ الثَّعلبَ والذِّئبَ؟ قال: لا. ثُمَّ قال: والله، ما أدري أعلى هذا أصلُ رأيِكَ، أم تتجاهلُ؟ قلتُ: ما أتجاهلُ، ولكِن ظَننتُ أن تراهُ من السِّباع.

قال مالكٌ: وكلُّ شيءٍ لا يعدُو من السِّباع، مِثلَ الهِرِّ والثَّعلبِ والضَّبُع وما أشبهَها، فلا يَقتُلُهُ المُحرِمُ، وإن قتَلهُ وداهُ؟ لأنَّ النَّبيَّ -صلي الله عليه وسلم- لم يأذَنْ في قتلِ السِّباع، وإنَّما أذِنَ في قتلِ الكلبِ العقُورِ.

قال: وصِغارُ الذِّئابِ لا أرى أن يقتُلَها المُحرِمُ، فإن قَتَلَها فداها، وهي مِثلُ فِراخ الغِرْبان أيَذْهبُ يصيدُها!

وقال إسماعيلُ بن إسحاق: إنَّما قال ذلك مالكٌ في أولادِ السِّباع التي لا تَعْدُو على النّاسِ، لأنَّ الإباحَةَ إنَّما جاءَت في الكَلْبِ العقُورِ، وأولادُهُ ليست تَعقِرُ، فلا تدخُلُ في هذا النَّعتِ.


(١) انظر: النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني ٢/ ٤٦٢، والجامع لمسائل المدونة لأبي بكر الصقلي ٥/ ٦٨٦، والتبصرة للخمي ٣/ ١٣٠٤ - ١٣٠٥.
(٢) في م: "والغراب".
(٣) في ف ٣، م: "يجوز".

<<  <  ج: ص:  >  >>