للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحصرُ عندَ مالكٍ ومن تابَعهُ، إنَّما يكونُ عن عَرَفةَ فقط، فإذا عَلِمَ المُحصَرُ بعدُوٍّ، أو غيرِهِ، أنَّهُ قد فاتَهُ الوُقُوفُ بعرَفةَ في وَقْتٍ (١)، أوِ انكشَفَ لهُ العدُوُّ في زَمَن لا يَصِلُ فيه إلى البيتِ إلّا بعدَ فَوْتِ عَرَفةَ، أو غلبَ ذلك على ظنِّهِ، تحلَّل مكانَهُ، وانصرفَ (٢).

وأمّا من وقَفَ بعرَفةَ، وصُدَّ عن مَكَّةَ، فهُو على إحْرامِهِ، حتّى ينكشفَ (٣) العدُوُّ، ثُمَّ يطُوفُ ويُتِمُّ حجَّهُ، فرضًا كان أو تطوُّعًا، وإن خافَ طُولَ الزَّمانِ انصرفَ إلى بَلدِهِ، فمَتَى أمكَنهُ الرُّجُوعُ إلى البيتِ عادَ، فإن كان مسَّ النِّساءَ، دخلَ محُرِمًا، وطافَ وأهدى، وإن لم يَمسَّ النِّساءَ، ولا الصَّيدَ، طافَ وتمَّ حجُّهُ.

وكان ابنُ القاسم يقولُ: ليس على من صُدَّ عن البيتِ في حج، أو عُمرةٍ هديٌ، إلّا أن يكونَ ساقَهُ معهُ. وهُو قولُ مالكٍ.

وقال أشهبُ: عليه الهديُ إذا صُدَّ عن البيتِ بعدَ أن أحرمَ، لا بُدَّ لهُ منهُ، ينحر كما نحرَ رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- الهديَ بالحُديبيةِ. وهُو قولُ الشّافِعيِّ.

ومِن حُجَّةِ من ذهَبَ مذهبَ مالكٍ، وابن القاسم في ذلك: أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- إنَّما نحَرَ يومَ الحُدَيبيةِ هديًا قد كان أشعَرهُ وقلَّدهُ، حينَ أحرمَ بعُمرتِهِ، فلمّا لم يبلُغْ ذلك الهديُ محِلَّهُ للصَّدِّ، أمرَ به رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فنُحِرَ؛ لأنَّهُ كان هديًا قد وجَبَ بالإشعارِ والتَّقليدِ وخرجَ لله، فلم يجُزِ الرُّجُوعُ فيه، ولم يَنْحرهُ رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- من أجلِ الصَّدِ (٤)، فلهذا لا يجِبُ عندَهُ على من صُدَّ عن البيتِ هَدْيٌ.


(١) في د ٤: "وقته".
(٢) انظر: المدونة ١/ ٣٩٨.
(٣) في م: "ينكف".
(٤) في م: "الصيد".

<<  <  ج: ص:  >  >>