للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشّافِعيُّ (١): لو أُحصِرَ مُوسِرٌ لا يجِدُ هَدْيًا مكانَهُ، أو مُعسِرٌ بهديٍ، ففيها قولانِ، أحدُهُما: لا يحِلُّ إلّا بهديٍ، والآخرُ: أنَّهُ مأمُورٌ بأن يأتيَ بما يَقدِرُ عليه، فإن لم يَقْدِر على شيءٍ، خرجَ مِمّا عليه، وكان عليه أن يأتي به (٢) إذا قدرَ عليه، ومن قال هذا قال (٣): يحِلُّ مكانَهُ، ويذبحُ إذا قدرَ، فإن قدرَ على أن يكون الذَّبحُ بمكَّةَ، لم يجزئه أن يذبحَ إلّا بها، وإن لم يقدِرْ، ذبَحَ حيثُ قدر.

قال الشّافِعيُّ: ويُقالُ: لا يُجزِئُهُ إلّا هديٌ، ويُقالُ: يُجزِئُهُ إذا لم يجِد هديًا، طعامٌ، أو صيامٌ، فإن لم يجِدِ الطَّعام، كان كمَنْ لم يجِد هديًا ولا طعامًا، وإذا قدرَ، أدَّى أيَّ هديٍ كان عليه.

فهذا يُبيِّنُ لك أنًّ الهَدْيَ عندَ الشّافِعيِّ على المُحصَرِ واجِبٌ لإحلالِهِ، وبه قال أشْهَبُ، وعليه أكثرُ العُلماءِ.

والحُجَّةُ في ذلك أنَّ رسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- لم يحِلَّ يومَ الحُديبيةِ، ولم يحلِقْ رأسَهُ حتّى نحَرَ الهَدْي، فدلَّ ذلك على أنَّ مِن شَرْطِ إحْلالِ المُحصَرِ بعدُوٍّ: ذبْحَ هَدْيٍ متى وجدهُ وقدرَ عليه، والكلامُ في هذه المسألةِ يطُولُ، وفيما ذكَرْنا كِفايةٌ.

وأمّا من أُحصِرَ بغيرِ عدُوٍّ من مَوانِع الأمراضِ وشِبْهِها، فحُكمُهُ عندَ أهلِ الحِجازِ في ذلك ما قد رَوَى مالكٌ (٤)، عن ابن شِهاب، عن سالم بن عبدِ الله بن عُمرَ، عن ابن عُمرَ، قال: من حُبِسَ دُونَ البيتِ بمرَضٍ، فإنَّهُ لا يحِلُّ حتّى يَطُوفَ بالبيتِ، ويسعَى بين الصَّفا والمروةِ. فإن اضطُرَّ إلى شيءٍ من لُبسِ الثِّيابِ التي لا بُدَّ لهُ منها، أو إلى الدَّواءِ صنعَ ذلك وافتَدَى.


(١) انظر: الأم ٢/ ١٧٥.
(٢) هذا الحرف سقط من الأصل، د ٤، م.
(٣) زاد هنا في الأصل، م: "لا". انظر: مصدر التخريج.
(٤) أخرجه في الموطأ ١/ ٤٨٦ (١٠٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>