للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلكَ اختَلفُوا في وُجُوبِ الحِلاقِ على المُحصَرِ. وسَنذكُرُ ذلك في البابِ الذي بعدَ هذا.

وأمّا قولُ ابن عُمرَ في حديثِ هذا البابِ: ما أمرُهُما إلّا واحدٌ، أُشهِدُكُم أنِّي قد أوْجَبتُ الحجَّ مع العُمرةِ، ففيه دليل على أنَّ الحجَّ يَنْعقِدُ بالنِّيَّةِ، وأنَّ العِبارةَ عن تلكَ النِّيَّةِ تكونُ بالتَّلبيةِ، وبغيرِ التَّلبيةِ. وقد تقدَّم هذا المعنى مجُوَّدًا في حديثِ نافع والحمدُ لله.

وفيه: إدخالُ الحجِّ على العُمْرةِ، وذلكَ بيِّن عنهُ (١) في الأحاديثِ المذكُورةِ في هذا البابِ، من رِوايةِ مالكٍ وغيرِهِ، عن نافع، عنهُ.

ولا خِلافَ بين العُلماءِ، في أنَّ للمُحرم بالعُمْرةِ إدخالَ الحجِّ على العُمرةِ، ما لم يَبْتدِئ الطَّوافَ بالبيتِ لعُمْرَتِهِ، هذا إذا كان ذلك في أشْهُرِ الحجِّ. على أنَّ جَماعةً منهُم، وهُم أكثرُ أهلِ الحِجازِ، يَسْتحِبُّونَ أن لا يُدخِلَ المُحرِمُ الحَجَّ على العُمرةِ حتّى يَفْرُغَ من عَملِها ويَفْصِلَ بينَها وبينَ العُمرةِ، ولهذا اسْتَحبُّوا العُمرةَ في غيرِ أشهُر الحجِّ.

وروى مالكٌ (٢)، عن نافع، عن عبدِ الله بن عُمرَ، أنَّ عُمرَ بن الخطّابِ قال: افْصِلُوا بين حجِّكُم وعُمْرتِكُم، فإنَّ ذلك أتمُّ لحجِّ أحَدِكُم، وأتمُّ لعُمرتِهِ أن يعتمِرَ في غيرِ أشهُرِ الحجِّ.

قال أبو عُمر: هذا إفراطٌ من عُمرَ رحِمهُ الله في اسْتِحبابِ الإفْرادِ في الحجِّ، ولذلكَ قال هذا القولَ -واللهُ أعلمُ- لئلّا يَتَمتَّعَ أحدٌ بالعُمرة إلى الحجِّ، ولا يجمعَ بَيْنهُما، ويُفرِدَ كلَّ واحدٍ منهُما، فإنَّ ذلك أتمُّ لهما عندَهُ، ولا نعلمُ أحدًا من أهلِ العِلم


(١) شبه الجملة "عنه" لم يرد في د ٤.
(٢) أخرجه في الموطأ ١/ ٤٦٥ - ٤٦٦ (٩٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>