للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكَرَ انصِرافَ الطّائفتينِ والإمام من الصَّلاةِ معًا بقولِهِ: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ} [النساء: ١٠٣]، وذلك للجميع لا للبعضِ، ولم يذكُر أنَّ على واحدٍ منهُم قَضاءً.

وفي الآيةِ أيضًا دليل على أنَّ الطّائفةَ الثّانيةَ لا تَدخُلُ في الصَّلاةِ إلّا بعد انصِرافِ الطّائفةِ الأُولى، بقولِهِ: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا} [النساء: ١٠٢]. وهُو خِلافُ ظاهِرِ حديثِ أبي عيّاشٍ الزُّرَقيِّ (١)، وما كان مِثلَهُ في صلاةِ الخَوْفِ.

وفي قولِهِ: {فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} دليلٌ على أنَّ الطّائفةَ الثّانيةَ تَنْصرِفُ ولم يبقَ عليها من الصَّلاةِ شيءٌ تَفْعلُهُ بعدَ الإمام.

بهذا كلِّهِ نزعَ بعضُ من يحتجُّ للشّافِعيِّ، لأخذ بحديثِ يزيدَ بن رُومانَ، لِما فيه من انتِظارِ الإمام الطّائفةَ الثّانيةَ، حتّى يُسلِّمَ بهم.

ومن حُجَّةِ مالكٌ -في اختياره حديثَ القاسم بن محمدٍ، في سَلام الإمام قبلَ الطّائفةِ الثّانيةِ، وقَضائها الرَّكْعةَ الثّانية بعد سَلامِهِ -القياسُ على سائرِ الصَّلواتِ، في أنَّ الإمامَ ليسَ لهُ أن ينتظِرَ أحدًا سَبقهُ بشيءٍ، وأنَّ السُّنّةَ المُجتَمَعَ عليها، أن يَقْضيَ المأمُومُونَ ما سُبِقُوا به بعدَ سلام الإمام.

وقولُ أبي ثَوْرٍ في ذلك، كقولِ مالكٍ، بحديثِ سَهْلِ بن أبي حَثْمةَ في رِوايةِ القاسم، عن صالح بن خَوّاتٍ، قال: يُسلِّمُ الإمامُ، ثُمَّ تقومُ الطّائفةُ الأُخْرَى فتَقْضي رَكْعتَها.

ولم يختلِفْ مالكٌ، والشّافِعيُّ، وأبو ثَوْرٍ، أنَّ الإمامَ إذا قَرَأ في الرَّكعةِ الثّانيةِ بأُمِّ القُرآنِ وسُورةٍ، قبلَ أن تأتيَ الطّائفةُ الأُخرَى، ثُمَّ أتَتهُ فركَعَ بها حينَ


(١) سيأتي تخريجه قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>