قالوا: وأمّا حديثُ أُمِّ حبِيبةَ وقِصَّتُها، فمُختَلَفٌ فيه، وأكثرُهُم يقولُون فيه: إنَّها كانت تغتسِلُ، من غيرِ أن يأمُرها بذلك رسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-. وهذا قد يَجُوزُ أن تكونَ أرادَتْ به العِلاج، ويَجُوزُ أن تكونَ مِمَّن لا تعرِفُ أقراءَها، ولا إدبارَ حَيْضتِها، ويكونُ دمُها سائلًا، وإذا كان كذلك، فليسَتْ صلاةٌ إلّا وهي تَحتمِلُ أن تكونَ عندَها طاهِرًا من حيضٍ، فليسَ لها أن تُصلِّيها إلّا بعدَ الاغتِسالِ، فلِذلك أُمِرَتْ بالغُسلِ.
والمُسْتحاضةُ قد تكونُ استِحاضتُها على مَعانٍ مخُتلِفة:
فمنها: أن تكونَ مُسْتحاضةً قدِ استَمرَّ بها الدَّمُ، وأيامُ حَيْضتِها معرُوفةٌ، فسبِيلُها أن تدَعَ الصَّلاةَ أيام حَيْضتِها، ثُمَّ تغتسِلَ وتتوضَّأَ بعد ذلك لكلِّ صلاةٍ.
ومنها: أن تكونَ مُسْتحاضةً، قدِ استمرَّ بها دمُها، فلا ينقطِعُ عنها، وأيامُ حَيْضتِها قد خفِيَتْ عليها، فسبِيلُها أن تغتسِلَ لكلِّ صلاةٍ؛ لأنَّهُ لا يأتي عليها وقتٌ، إلّا احتملَ أن تكون فيه حائضًا، أو طاهِرًا من حيضٍ، أو مُستحاضةً، فيُحتاطُ لها، فتُؤمرُ بالغُسلِ.
ومنها: أن تكونَ مُسْتحاضةً، قد خفِيَتْ عليها أيامُ حَيْضتِها، ودَمُها غيرُ مُستمِرٍّ بها، يَنْقطِعُ ساعةً، ويعُودُ بعدَ ذلك، تكونُ هكذا في أيامِها كلِّها، فتكونُ قد أحاطَ عِلمُها: أنَّها في وَقْتِ انقِطاع دَمِها طاهِرٌ من محيضٍ طُهْرًا يُوجِبُ عليها غُسلًا، فلَها إذا اغتسلت أن تُصلِّي في حالِها تلك ما أرادَتْ من الصَّلواتِ، بذلك الغُسلِ، إن أمكَنَها ذلك.
قالوا: فلمّا وجَدْنا المرأةَ قد تكونُ مُسْتحاضةً لكلِّ وَجْهٍ من هذه الوُجُوهِ التي مَعانِيها وأحكامُها مُختلِفةٌ، واسمُ الاسْتِحاضةِ يجمعُها، ولم يكُن في حديثِ عائشةَ تِبيانُ اسْتِحاضةِ تِلك المرأةِ، لم يَجُز لنا أن نحمِلَ ذلك على وجهٍ من تلك الوُجُوهِ،