للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دُونَ غيرِها إلّا بدليلٍ، ولا دليلَ إلّا ما كانت عائشةُ تُفتِي به في المُستحاضةِ: أنَّها تَدَعُ الصَّلاةَ أيام حَيْضتِها، ثُمَّ تغتسِلُ غُسلًا واحِدًا، ثُمَّ تتوضَّأُ عندَ كلِّ صلاةِ.

هذا كلُّهُ من حُجّةِ من يَنْفِي إيجابَ الغُسلِ على (١) كلِّ مُستحاضةٍ لكلِّ صلاةٍ.

وهِي (٢) جُملةُ مَذهبِ أبي حَنِيفةَ وأصحابِهِ، والثَّورِيِّ، ومالكٍ، واللَّيثِ، والشّافعيِّ، والأوزاعِيِّ، وعامّةِ فُقهاءِ الأمْصارِ.

إلّا أنَّ مالكًا (٣) يَسْتحِبُّ للمُسْتحاضةِ الوُضُوءَ لكلِّ صلاةٍ، ولا يُوجِبُهُ عليها، وسائرُ من ذكَرْنا يُوجِبُ الوُضُوءَ عليها لكلِّ صلاةٍ فرضًا، كما يُوجِبُهُ على سَلِسِ البَوْلِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى قد تَعبَّدَ من ليسَ على وُضُوءٍ من عِبادِهِ المُؤمِنِينَ، إذا قامَ إلى الصَّلاةِ أن يتوضَّأ، وسَلِسُ البَوْلِ والمُسْتحاضةُ ليسا على وُضُوءٍ، فلمّا أُمِرا جميعًا بالصَّلاةِ، ولم يَكُن حدَثُهُما الدّائمُ بهما يَمْنعُهُما من الصَّلاةِ، وكان عليهما أن يُصلِّيا على حالِهِما، فكذلك يتوضَّآنِ للصَّلاةِ، لأنَّ الحدَثَ يقطعُ الصَّلاةَ بإجماع من العُلماءِ، وعلى صاحِبِهِ أن ينصرِفَ من صلاتِهِ من أجلِهِ، والمُستحاضةُ مأمُورةٌ بالصَّلاةِ، وكذلك سَلِسُ البولِ، لا ينصرِفُ واحِدٌ منهُما عن صِلاتِهِ، بل يُصلِّي كلُّ واحِدٍ منهُما على حالِهِ، فكذلك يتَوضَّأُ وهُو على حالِهِ، لا يضُرُّهُ دوامُ حَدَثِهِ لوُضُوئهِ، كما لا يضُرُّهُ لصَلاتِهِ، لأنَّهُ أقْصَى ما يَقدِرُ عليه، فكما لا تسقُطُ عنهُ الصَّلاةُ، فكذلك لا يسقُطُ عنهُ الوُضُوءُ لها.

هذا أقوَى ما احتجَّ به من أوجبَ الوُضُوءَ على هؤُلاءِ لكلِّ صلاةٍ.

وأمّا مالكٌ، فإنَّهُ لا يُوجِبُ على المُستحاضةِ، ولا على صاحِبِ السَّلَسِ وُضُوءًا؛ لأنَّهُ لا يرفع به حَدَثًا.


(١) في د ٤: "عن".
(٢) في الأصل، م: "وفي"، خطأ ظاهر.
(٣) انظر: الموطأ ١/ ١٠٨ - ١٠٩ (١٦١، ١٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>