للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا نقولُ لهُ بذلك: كافِرٌ، ولا حَلالٌ دمُهُ، ونَجِدُهُ كثِيرَ المالِ ولا يحُجُّ، فلا نَراهُ بذاك كافِرًا، ولا حلَّ دمُهُ (١).

قال أبو عُمر: في حديثِ مالكٍ من الفِقهِ: أنَّهُ لا فرضَ من الصَّلاةِ إلّا الخمسُ الصلوات، في اليوم واللَّيلةِ.

وأنَّهُ لا فرضَ من الصِّيام، إلّا صومُ شهرِ رمضانَ.

وفيه: أنَّ الزَّكاةَ فرِيضةٌ، على حسبِ سُنَّتها (٢) المعلُومةِ. وقد بيَّنّا ذلك في غيرِ موضِع من كِتابِنا هذا، وفي سائرِ كُتُبِنا.

ولم يُذكر في حديثِ مالكٍ: الحجُّ.

وقد قال بعضُ من تكلَّمَ في "المُوطَّأ" من أصحابِنا ومن قبلهُ منهُم: إنَّ الحجَّ لم يَكُن حِينئذٍ مُفتَرضًا، وأنَّهُ بعدَ ذلك نزل فرضُهُ.

ومن قال هذا القولَ، زعمَ أنَّ فرضَ الحجِّ على منِ استطاعَ السَّبِيلَ إليه، يجِبُ في فورِ الاستِطاعةِ، على حَسَبِ المُمكِنِ.

وهذه مسألةٌ ليسَ فيها لمالكٍ جَوابٌ، وقدِ اختلَفَ فيها المالكِيُّونَ: فطائفةٌ منهُم قالت: وُجُوبُ الحجِّ على الفورِ، ولا يجُوزُ تأخِيرُهُ، مع القُدرر عليه. وإلى هذا ذهب بعضُ البغدادِيِّين المُتأخِّرِين من المالكِيِّين، وهُو قولُ داود.

وقالت طائفةٌ منهُم: بل ذلك على التَّراخِي. وعلى هذا القولِ أكثرُ المالكِيِّين من أهلِ المغرِبِ، وبعضِ العِراقِيِّينَ منهُم، وإليه ذهبَ أبو عبدِ اللَّه محمدُ بن أحمد بن خُوَيْزمَنْداد البصرِيُّ المالكِيُّ، ولهُ احتجَّ في كِتابِ "الخِلافِ"، وجاءَتِ الرِّوايةُ عن مالكٍ رحِمهُ اللَّه: أَنَّهُ سُئلَ عنِ المرأةِ تكونُ صَرُورةً (٣) مُسْتطِيعةً على الحجِّ، تَسْتأذِنُ


(١) أخرجه أبو يعلى (٢٣٤٩)، والطبراني في الكبير ١٢/ ١٧٤ (١٢٨٠٠) من طريق مؤمل بن إسماعيل، به، وإسناده ضعيف، لضعف مؤمل بن إسماعيل عند التفرد كما بيناه في تحرير التقريب ٣/ ٤٤٢.
(٢) في م: "سننها".
(٣) الصرورة: الرجل الذي لم يحج بعد، وكذلك المرأة. انظر: مشارق الأنوار للقاضي عياض ٢/ ٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>