للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإنَّما قلتُ: إنَّ الاستِدبارَ، والتَّشريقَ، والتَّغريبَ، سواءٌ، لأنَّ بيتَ المقدِسِ لا يَكادُ أن يَسْتقبِلَهُ إلّا منِ اسْتَدبرَ الكعبةَ، وذلك بدليلِ حديثٍ ابنِ عُمرَ، قال: رأيتُ رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مُسْتقبِلَ الكَعْبةِ، مُسْتدبِرَ بيتِ المقدِسِ لحاجتِهِ (١).

وهذا موضِعٌ فيه اختِلافٌ كثيرٌ، وباللَّه التَّوفيقُ.

واختلَفَ الفُقهاءُ فيمَنْ غابت عنهُ القِبلةُ، فصلَّى مُجتهِدًا كما أُمِرَ، ثُمَّ بانَ لهُ بعد فراغِهِ من الصَّلاةِ: أنَّهُ قد أخطأ القِبلةَ، بأنِ اسْتَدبرَها، أو شرَّقَ، أو غرَّبَ عنها، أو بانَ لهُ ذلك وهُو في الصَّلاةِ (٢).

فجُملةُ قولِ مالكٍ وأصحابِهِ: أنَّ من صلَّى مُجتهِدًا على قَدْرِ طاقتِهِ، طالِبًا للقِبلةِ وناحِيَتِها، إذا خَفيَتْ عليه، ثُمَّ بانَ لهُ بعدَ صلاتِهِ، أنَّهُ قدِ اسْتَدبرَها: أنَّهُ يُعيدُ ما دامَ في الوَقتِ، فإنِ انصرمَ الوقتُ، فلا إعادةَ عليه، والوقتُ في ذلك للظُّهرِ، والعَصْرِ، ما لم تصفرَّ الشَّمسُ.

وقد رُوي عن مالكٍ أيضًا: أنَّ الوقتَ في ذلك: ما لم تغرُبِ الشَّمسُ، وفي المغرِبِ والعِشاءِ ما لم ينفجِرِ الصُّبحُ، وفي صلاةِ الصُّبح، ما لم تطلُع الشَّمسُ.

وقال بعضُ أصحابِ مالكٍ: ما لم تَصفرَّ (٣) جِدًّا. والأوَّلُ أصحُّ. فإن عَلِمَ أنَّهُ اسْتَدبرها، وهُو في صلاتِهِ، أو شرَّقَ أو غرَّبَ، قطَعَ وابتدأ، وإن لم يُشرِّق ولم يُغرِّب، ولكِنَّهُ انحرفَ انحِرافًا يسيرًا، فإنَّهُ ينحرِفُ إلى القِبلةِ إذا علِمَ، ويتمادى ويُجزِئُهُ، ولا شيءَ عليه.


(١) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٢٦٩ (٥٢١).
(٢) انظر: الأصل لمحمد بن الحسن ١/ ٢٢٠ و ٣/ ١٦، والأم للشافعي ١/ ١١٥، والمدونة ١/ ١٨٤، ومسائل أحمد وإسحاق للكوسج ٢/ ٦٣٩ (٢٨٩)، ومختصر اختلاف العلماء ١/ ٢٨٧، ومنه نقل المؤلف الأقوال الآتية.
(٣) في ي ١: "يُسفر".

<<  <  ج: ص:  >  >>