للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا الأصلِ ما يدُلُّك على أنَّ قولَهُ في هذا الحديثِ: "لم يعمَلْ حَسَنةً قطُّ"، أو "لم يعمَلْ خيرًا قطُّ"، لم يُعْنَ به (١) إلّا ما عَدا التَّوحِيد من الحَسَناتِ والخَيْرِ، وهذا سائِغٌ في لسانِ العربِ، جائِزٌ في لُغتِها، أن يُؤتَى بلفظِ الكلِّ والمُرادُ البَعضُ.

والدَّليلُ على أنَّ الرَّجُلَ كان مُؤمِنًا، قولُهُ حِين قِيل لهُ: "لِمَ فعلتَ هذا؟ فقال: من خَشْيتِكَ يا ربِّ". والخَشْيةُ لا تكونُ إلّا لمُؤمِنٍ مُصدِّقٍ، بل ما تَكادُ تكونُ إلّا لمُؤمِنٍ عالِم، كما قال اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٨].

قالوا: كلُّ من خافَ اللَّه، فقد آمنَ به وعَرَفهُ، ومُستحِيلٌ أن يَخافَهُ من لا يُؤمِنُ به. وهذا واضِحٌ لمن فهِمَ وأُلهِمَ رُشدهُ.

ومِثلُ هذا الحديثِ في المعنى، ما حدَّثناهُ عبدُ الوارثِ بن سُفيانَ، قال: حدَّثنا قاسمُ بن أصبغَ، قال: حدَّثنا محمدُ بن إسماعيلَ، قال: حدَّثنا أبو صالح، قال: حدَّثني اللَّيثُ، عنِ ابنِ العَجْلانِ، عن زيدِ بنِ أسلمَ، عن أبي صالح، عن أبي هريرةَ، عن رسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنَّ رَجُلًا لم يعملْ خيرًا قطُّ، وكان يُدايِنُ النّاسَ، فيقولُ لرسُولِهِ: خُذ ما يَسِرَ، واترُك ما عَسِرَ، وتَجاوَزَ، لعلَّ اللَّهَ يَتَجاوزُ عنّا، فلمّا هلكَ، قال اللَّه: هل عمِلتَ خيرًا قطُّ؟ قال: لا، إلّا أنَّهُ كان لي غُلامٌ، فكنتُ أُدايِنُ النّاس، فإذا بَعثتُهُ يَتَقاضى قلتُ لهُ: خُذ ما يَسِرَ، واترُك ما عَسِرَ، وتَجاوُزَ، لعلَّ اللَّهَ يَتَجاوزُ عنّا. قال اللَّه: قد تَجاوزتُ عنكَ" (٢).


(١) في م: "لم يعذبه" بدل: "لم يعن به". وفي ي ١: "ولم يعن به".
(٢) أخرجه أحمد في مسنده ١٤/ ٣٤٤ (٨٧٣٠)، والبزار ١٥/ ٣٤١ - ٣٤٢ (٨٩٠٣)، والنسائي في المجتبى ٧/ ٣١٨، وفي الكبرى ٦/ ٩٠ - ٩١ (٦٢٤٧)، وابن حبان ١١/ ٤٢٢ (٥٠٣٤)، والحاكم في المستدرك ٢/ ٢٧ - ٢٨، والبيهقي في شعب الإيمان (١١٢٤٤، ١١٢٤٥) من طريق الليث، به، وإسناده حسن. وانظر: المسند الجامع ١٧/ ٣١٣ (١٣٦٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>