للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: فقولُ هذا الرَّجُل، الذي لم يعمَلْ خيرًا قطُّ، غيرَ تَجاوُزِهِ عن غُرمائهِ: "لعلَّ اللَّهَ يَتَجاوزُ عنّا" إيمانٌ، وإقرارٌ بالرَّبِّ ومُجازاتِهِ، وكذلك قولُ (١) الآخرِ: "خَشْيتُكَ يا ربِّ" إيمان باللَّه، واعتِرافٌ لهُ بالرُّبُوبيَّةِ، واللَّه أعلمُ.

وأمّا قولُهُ: "لئن قَدَرَ اللَّهُ عليَّ". فقدِ اختلفَ العُلماءُ في مَعناهُ، فقال منهُم قائلونَ: هذا رجُلٌ جهِلَ بعضَ صِفاتِ اللَّه عزَّ وجلَّ، وهي القُدرةُ، فلم يعلَمْ أنَّ اللَّهَ على كلِّ ما يَشاءُ قدِيرٌ.

قالوا: ومن جهِلَ صِفةً من صِفاتِ اللَّه عزَّ وجلَّ، وآمنَ بسائرِ صِفاتِهِ وعَرَفَها، لم يكُن بجهلِهِ بعضَ صِفاتِ اللَّه كافِرًا. قالوا: وإنَّما الكافِرُ: من عاندَ الحقَّ، لا من جَهِلهُ.

وهذا قولُ المُتقدِّمِينَ من العُلماءِ، ومن سلكَ سَبِيلَهم من المُتأخِّرِينَ (٢).

وقال آخرُونَ: أرادَ بقولِهِ: "لئن قَدَرَ اللَّهُ عليه" من القَدَرِ، الذي هُو القَضاءُ، وليس من باب القُدْرةِ والاسْتِطاعةِ في شيءٍ. قالوا: وهُو مِثلُ قولِ اللَّه عزَّ وجلَّ في ذي النُّونِ: {إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: ٨٧].

وللعُلماءِ في تأوِيلِ هذه اللَّفظةِ قولانِ:

أحدُهُما: أنَّها من التَّقدِيرِ والقَضاءِ.

والآخرُ: أنَّها من التَّقتِيرِ والتَّضيِيقِ.

وكلُّ ما قالهُ العُلماءُ في تأوِيلِ هذه الآيةِ، فهُو جائزٌ في تأوِيلِ هذا الحديثِ، في قولِهِ: "لئن قَدَر اللَّهُ عليَّ".


(١) في م: "قوله".
(٢) من قوله: "وهذا قول المُتقدِّمِين" إلى هنا، جاء مكانه في ي ١: "قال أبو عمر: هذا قول يدفعه جماعة من أهل النظر، وفيه ضروب من الاعتراضات والعلل، ليس هذا موضع ذكرها".

<<  <  ج: ص:  >  >>