للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأحَدُ الوجهينِ تَقْدِيرُهُ: كأنَّ الرَّجُلَ قال: لئن كان قد سبَقَ في قَدَرِ اللَّه وقَضائهِ أن يُعذِّبَ كلَّ ذي جُرم على جُرمِهِ، ليُعذِّبَنِّي اللَّهُ على إجْرامِي وذُنُوبي عذابًا لا يُعذِّبُهُ أحدًا من العالمين غيرِي.

والوجهُ الآخرُ تقدِيرُهُ: واللَّه لئن ضَيَّق اللَّهُ عليَّ، وبالغَ في مُحاسَبتِي وجَزائي على ذُنُوبي، ليكوننَّ ذلك، ثُمَّ أمرَ بأن يُحرَقَ بعد موتِهِ، من إفراطِ خَوْفِهِ.

قال ابنُ قُتيبةَ (١): بَلَغني عنِ الكِسائيِّ، أنَّهُ قال: يُقالُ: هذا قَدَرُ اللَّه وقَدْرُهُ. قال: ولو قُرِئَت: "أوْدِيةٌ بقَدْرِها" (٢) مُخفَّفًا، أو قُرِئَت "وما قَدَّرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدَرِهِ" (٣)، مُثقَّلًا جاز، وأنشَدَ:

وما صَبَّ رِجلِي في حَدِيدِ مُجاشِع ... معَ القَدْرِ إلّا حاجةٌ لي أُرِيدُها (٤)

أرادَ: القَدَر. قال: ويُقالُ: هذا على قَدْرِ هذا وقَدَرِهِ.

قال الأصمعِيُّ: أنشَدَنِي عيسى بن عُمر لبَدَوِيّ (٥):

كلُّ شيءٍ حتّى أراكٍ (٦) مَتاعُ ... وبقَدْرٍ تفرُّقٌ واجتِماعُ

ومن هذا حديثُ ابنِ عُمرَ، عنِ النَّبيِّ عليه السَّلامُ في الهِلالِ: "فإنَّ غُمَّ عليكُم، فاقْدُرُوا لهُ" (٧). وقد ذكرتُهُ في بابه وموضِعِهِ من هذا الكِتابِ.


(١) غريب الحديث ١/ ٢٥٤.
(٢) سورة الرعد آية ١٧. وقرأها بالتخفيف الحسن، والمطوعي. انظر: إتحاف فضلاء البشر في القراءات، لأحمد بن محمد الدمياطي، ص ١٦٤.
(٣) سورة الأنعام آية ٩١. وقرأها بالتثقيل الحسن، وعيسى الثقفي. انظر: تفسير البحر المحيط لأبي حيان ٤/ ١٧٧.
(٤) البيت للفرزدق كما في إصلاح المنطق لابن السكيت، ص ٧٧.
(٥) البيت في لسان العرب ٥/ ٧٤، وتاج العروس ١٣/ ٣٧١.
(٦) هكذا في الأصل، د ٢، م: "أراك"، وفي مصادر التخريج: "أخيك".
(٧) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٣٨٥ (٧٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>