للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رَوينا عن أبي العبّاسِ أحمد بنِ يحيى ثعلبٍ، أنَّهُ قال في قولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: ٨٧]. قال: هُو من التَّقديرِ (١)، ليس من القُدْرةِ، يُقالُ منهُ: قَدَّرَ اللَّهُ لكَ الخيرَ يُقدِّرُهُ قدرًا. بمعنَى: قدَرَ اللَّهُ لكَ الخيرَ. وأنشد ثعلبٌ:

ولا عائدًا ذاك الزَّمانُ الذي مَضَى ... تباركت ما تَقْدُرْ يقَعْ ولك الشُّكرُ

يعني: ما تُقدِّرُهُ وتقضِي به يقعُ، يعني: ينزِلُ وينفذُ ويمضِي.

قال أبو عُمر: هذا البيتُ لأبي صخرٍ الهُذلِيِّ (٢)، في قَصِيدةٍ لهُ أوَّلُها:

لليْلَى بذاتِ الجَيْشِ دارٌ عرفتُها ... وأُخْرَى بذاتِ البَيْنِ آياتُها سُطْرُ

وفيها يقولُ:

وليس عشِيّاتُ الحِمَى برواجِع ... لنا أبدًا ما أبْرَمَ السَّلَمَ النَّضرُ

ولا عائدٌ ذاك الزَّمانُ الذي مضى ... تباركت ما تَقْدُرْ يَقعْ ولك الشُّكرُ

السَّلَمُ: شَجَرٌ من العِضاهِ يُدبغُ به. والنَّضرُ: النَّضارةُ والتَّنعُّمُ. وأبْرَمَ السَّلَمَ: أخْرَجَ بَرَمَتَهُ، وأبْرَمتُ الأمرَ: أحْكَمتَهُ.

وقال غيرُهُ:

فما النّاسُ أرْدَوهُ ولكن أقادَهُ ... يَدُ اللَّه والمُسْتنصِرُ اللَّهَ غالِبُ

فإنَّكَ ما يَقْدُرْ لكَ اللَّهُ تَلْقَهُ ... كِفاحًا وتجلِبْهُ إليكَ الجَوالِبُ

وقال ابنُ قُتيبةَ، في قولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: ٨٧]: أن لن نُضيِّق عليه. قال: يُقالُ (٣): فُلانٌ مُقدَّرٌ عليه، ومُقتَّرٌ عليه. ومنهُ قولُهُ


(١) في م: "التقتير".
(٢) انظر: الأبيات في شرح أشعار الهذليين ٢/ ٩٥٦ - ٩٥٨.
(٣) هذه الكلمة سقطت من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>