للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: أمّا لو لم يأتِ عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الماءِ غيرُ هذا الحديثِ، لساغَ في الماءِ بعضُ هذا التَّأوِيلِ، ولكن قد جاءَ عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الماءِ: أنَّهُ لا يُنجِّسُهُ شَيءٌ (١). يُريدُ إلّا ما غلَبَ عليه، بدليل الإجماع على ذلك، وهذا الحديثُ مُوافِقٌ لما وصفَ اللهُ عزَّ وجلَّ به الماءَ في قَولِهِ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨]. يعني: لا يُنجِّسُهُ شيءٌ إلّا أن (٢) يغلِب عليه.

وقد أجمعُوا معنا على أنَّ وُرُودَ الماءِ على النَّجاسةِ لا يضُرُّهُ، وأنَّهُ مُطهِّرٌ لها، وطاهِرٌ في ذاتِهِ إن لم يَتغيَّر بها طَعمُهُ أو لونُهُ أو رِيحُهُ، فبانَ (٣) بذلك صِحَّةُ قولِنا، وعَلمنا - بكِتابِ الله وسُنَّةِ رسُولِهِ - أنَّ أمرهُ - صلى الله عليه وسلم - القائمَ من نَوْمِهِ ألا يَغْمِس يَدهُ في وَضُوئهِ، إنَّما ذلك نَدبٌ وأدبٌ، وسُنَّةٌ قائمةٌ لمن كانت يدُهُ طاهِرةً وغير طاهِرةٍ؛ لأنَّهُ لو أرادَ بذلك النَّجاسةَ، لأمِرَ بغسلِ المخرجينِ أوَّلًا، ولقال: إذا قامَ أحدُكُم من نومِهِ، فلينظُر يدهُ، فإن لم يكُن فيها نَجاسةٌ، أدخلها في وَضُوئهِ،

وإن كانت في يَدِهِ نجاسةٌ غسَلَها قبل أن يُدخِلها.

هذا على مَذهبِ من جعلَ قولهُ - صلى الله عليه وسلم -: "فإنَّهُ لا يَدْرِي أين باتَتْ يدُهُ" عِلَّةَ احتِياطٍ خوفَ إصابتِهِ بها نجاسةً، وذلك أنَّهُم كانوا يَسْتنجُون بالأحجارِ من


(١) أخرجه الطيالسي (٢٢٦٩)، والشافعي في مسنده، ص ١٦٥، وعبد الرزاق في المصنَّف (٢٥٥)، وابن أبي شيبة (١٥١٣)، وأحمد في مسنده ١٧/ ١٩٠ (١١١١٩)، وأبو داود (٦٦)، والترمذي (٦٦)، والنسائي في المجتبى ١/ ١٧٤، وأبو يعلى (١٣٠٤)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ١/ ١٢، والدارقطني في سننه ١/ ٣٤ (٥٤)، والبيهقي في الكبرى ١/ ٢٥٧ - ٢٥٨، والمزي في تهذيب الكمال ٨/ ١٨٦ - ١٨٧، من حديث أبي سعيد، واقتصر الترمذي على تحسينه. وانظر: المسند الجامع ٦/ ١٦٦ - ١٦٧ (٤١٨٦).
(٢) في ي ١، ت: "لا" بدل: "إلا أن"، وهما بمعنًى.
(٣) في الأصل، م: "فإن"، خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>