للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر ابنُ عبدِ الحكم، عن مالكٍ، قال: منِ استيقظَ من نومِهِ، أو مسَّ فرجهُ، أو كان جُنُبًا، أوِ امرأةً حائضًا، فأدخلَ أحدُهُم يَدهُ في وَضُوئهِ، فليس ذلك يضُرُّهُ، إلّا أن تكونَ في يَدِهِ نَجاسةٌ، كان ذلك الماءُ قليلًا أو كثِيرًا، ولا يُدخِلُ أحدٌ منهُم يدَهُ في وَضُوئهِ حتَّى يَغْسِلها.

قال أبو عُمر: الفُقهاءُ على هذا، كلُّهُم يستحِبُّونَ ذلك، ويأمُرُونَ به، فإن أدخلَ يَدهُ أحدٌ بعدَ قِيامِهِ من نومِهِ في وَضُوئهِ قبلَ أن يَغسِلها، ويدُهُ نظِيفةٌ لا نَجاسةَ فيها، فليس عليه شيءٌ، ولا يضُرُّ ذلك وَضُوءَهُ، وعلى ذلك أكثرُ أهلِ العِلم، فإن كانت في يَدِهِ نجاسةٌ، نُظِر إلى الماءِ، ورجعَ كلُّ واحِدٍ من الفُقهاءِ حِينئذٍ إلى أصلِهِ في الماءِ، على ما قدَّمنا عنهُم، في بابِ إسحاقَ من كِتابِنا هذا.

وكان الحسنُ البَصرِيُّ، فيما رَوَى عنهُ أشعثُ يقولُ: إذا استيقظَ أحدُكُم من النَّوم، فغمسَ يدَهُ في الإناءِ قبلَ أن يَغسِلها، أهراقَ الماءَ (١).

وإلى هذا ذهبَ أهلُ الظّاهِرِ، فلم يُجِيزُوا الوُضُوءَ به، لأنَّهُ عِندهُم ماءٌ مَنهِيٌّ عنِ استِعمالِهِ.

هذا معنى النَّهيِ عن غَمْسِ اليدِ فيه عِندَهُم، كأنَّهُ قال: إذا استيقظَ أحدُكُم من نَومِهِ، فلا يُدخِل يَدهُ في إناءِ وَضُوئهِ، فإن فعلَ، فلا يتوضَّأُ بذلك الماءِ.

وإلى هذا المعنى ذهبَ بعضُ أصحابِ داود، وتحصِيلُ مذهبِ داود، وأكثرِ أصحابه أنَّ فاعِل ذلك (٢) عاصٍ، إذا كان بالنَّهيِ عالِمًا، والماءُ طاهِر، والوُضُوءُ به جائزٌ، ما لم تظهر فيه نجاسةٌ (٣).


(١) انظر: مصنَّف عبد الرزاق (٣٠٧)، والأوسط لابن المنذر ٢/ ١٤.
(٢) من قوله: "وتحصيل" إلى هنا، جاء مكانه في ي ١، ت:، وأكثرهم على أنه".
(٣) انظر: الاستذكار ١/ ١٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>