للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: من ذهَبَ إلى أنَّ الكلبَ ليس بنَجِسٍ، فسُؤرُهُ عِندَهُ طاهِرٌ، وغَسلُ الإناءِ من وُلُوغِهِ سبعَ مرّاتٍ هُو عِندَهُ تعبُّد في غَسلِ الطّاهِرِ خُصُوصًا لا يُتَعَدَّى.

ومن ذهبَ إلى أنَّ الكلبَ نجِسٌ، وسُؤرُهُ نَجِسٌ، ممَّن قال أيضًا: إنَّ الإناءَ من وُلُوغِهِ يُغسَلُ سبعًا، قال: التَّعبُّدُ إنَّما وقعَ في عَددِ الغَسَلاتِ من بينِ سائرِ النَّجاساتِ.

قال الشّافِعِيُّ (١) وأصحابُهُ: الكلبُ والخِنزِيرُ نَجِسانِ، حيَّينِ وميِّتين، وليس في حيٍّ نَجاسةٌ سِواهُما. قال: وجميعُ أعضاءِ الكَلْبِ، مقِيسةٌ على لسانِهِ، وكذلك الخِنزِيرُ، فمَتَى أدخل الكلبُ يَدهُ، أو ذَنبهُ، أو رِجلهُ، أو عُضوًا من أعضائهِ في الإناءِ، غُسِل سبعًا، بعدَ هَرْقِ ما فيها، وقد أفسدَ ما في الإناءِ بوُلُوغِهِ ونَجَسِهِ.

قال الشّافِعِيُّ: وفي قولِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في الهِرِّ: "إنَّهُ ليس بنَجِسٍ" (٢) دليلٌ على أنَّ في الحيوانِ من البهائم ما هُو نجِسٌ وهُو حيٌّ، وما يُنجِّسُ وُلُوغُهُ. قال: ولا أعلمُهُ إلّا الكلب المنصُوص عليه دُونَ غيرِهِ. قال: والخِنزِيرُ شرٌّ منهُ؛ لأنَّهُ لا يجُوزُ اقتِناؤُهُ، ولا بيعُهُ ولا شِراؤُهُ عِندَ أحدٍ، مع تحرِيم عينِهِ.

ومِمَّا احتجَّ به أصحابُ الشّافِعِيِّ أيضًا: قولُهُ - صلى الله عليه وسلم -: "طهُورُ إناءِ أحدِكُم إذا ولغَ فيه الكلبُ، أن يُغسَلَ سبع مرّاتٍ". قالوا: فأمرَ بتطهِيرِ الإناءِ، فدلَّ على نَجاستِهِ.

واحتجُّوا بما رواهُ عليُّ بن مُسهِرٍ وغيرُهُ عنِ الأعْمَشِ، عن أبي صالح وأبي رَزِينٍ، عن أبي هريرةَ، قال: قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا ولغَ الكلبُ في إناءِ أحدِكُم، فليُهرِقهُ (٣) وليَغسِلهُ سبعَ مرّاتٍ" (٤).


(١) انظر: الأم ١/ ٢٢، و ٦/ ٢٥٨، ومختصر المزني ٨/ ١٠١.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٥٦ - ٥٧ (٤٧) من حديث أبي قتادة.
(٣) في د ٢، ت: "فليهريقه".
(٤) أخرجه مسلم (٢٧٩) (٨٩)، والنسائي في المجتبى ١/ ٥٣، وفي الكبرى ١/ ٩٦ - ٩٧ (٦٥) من طريق علي بن مسهر، به. وقد سلف تخريجه قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>