للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا قد يَحتمِلُ أن يكون أبو سعِيدٍ سمِعَ الحديث في الشَّهِيدِ، فتأوَّلهُ على العُمُوم، ويكون الميِّتُ المذكُورُ في حديثهِ هُو الشَّهِيدُ الذي أُمِرَ أن يُزمَّلَ بثِيابِه، ويدفَنَ فيها، ولا يُغسَلَ عنهُ دمُهُ، ولا يُغيَّر شيءٌ من حالِهِ، بِدليلِ حديثِ ابنِ عبّاسٍ وغيره، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قال: "إنَّكُم مَحشُورُونَ يومَ القِيامةِ حُفاةً عُراةً غُرْلًا (١)، ثُمَّ قرأ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: ١٥٤]. وأوَّلُ من يُكسى يومَ القِيامةِ إبراهيمُ (٢).

فلهذا الحديثِ وشبهِهِ تأوَّلنا في حديثِ أبي سعِيدٍ ما ذكَرْنا، واللهُ أعلمُ.

وقد كان بعضُهُم يتأوَّلُ في حديثِ أبي سعِيدٍ: أنَّهُ يُبعَثُ على العَملِ الذي يُختمُ لهُ به. وظاهِرُهُ على غيرِ ذلك، واللهُ أعلمُ.

وقدِ استدلَّ جماعةٌ من أهلِ العِلم بهذا الحديثِ وما كان مِثلَهُ في سُقُوطِ غُسْلِ الشَّهِيدِ المقتُولِ في دارِ الحربِ بين الصَّفَّينِ. ولا حاجةَ بنا إلى الاستِدلالِ في تركِ غُسْلِ الشُّهداءِ الموصُوفِين بذلك، مع وُجُودِ النَّصِّ فيهِم.

وسيأتي ما للعُلماءِ في غُسْلِ الشُّهداءِ والصَّلاةِ عليهم، في بلاغاتِ مالكٍ من هذا الكِتابِ إن شاءَ الله.

أخبرنا عبدُ الله بن محمدٍ، قال: أخبَرنا محمدُ بن بكرٍ، قال: حدَّثنا أبو داودَ، قال: حدَّثنا أحمدُ بن حنبلٍ، قال (٣): حدَّثنا محمدُ بن جعفرٍ، قال: حدَّثنا شُعبةُ


(١) غُرلًا: أي غيرَ مختونين، والواحد: أغرل. انظر: مشارق الأنوار للقاضي عياض ٢/ ١٣٢.
(٢) أخرجه أحمد في مسنده ٣/ ٤١٨، ٤٧٠، و ٤/ ٩ (١٩٥٠، ٢٠٢٧، ٢٠٩٦)، والبخاري (٣٣٤٩، ٣٤٤٧)، ومسلم (٢٨٦٠) (٥٨)، والترمذي (٢٤٢٣، ٣١٦٧)، والبزار في مسنده (٥٠٧٠)، والنسائي في المجتبى ٤/ ١١٤، ١١٧، وفي الكبرى (٢٢٢٥، ١١٢٧٤)، وابن حبان (٧٣٤٧)، والطبراني في الكبير ١٢/ ٩ (١٢٣١٢). وانظر: المسند الجامع ٩/ ٦٠١ - ٦٠٣ (٧٠٨٩).
(٣) في المسند ٢٢/ ٩٧ (١٤١٨٩). وانظر: المسند الجامع ٢/ ٥٢٢ (٢٣٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>