للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: سمِعتُ عبد ربِّهِ يُحدِّثُ عن الزُّهرِيِّ، عن ابنِ جابرٍ، عن جابرِ بن عبدِ الله، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال في قَتْلَى أُحُدٍ: "لا تُغسِّلُوهُم، فإنَّ كلَّ جُرح أو دَم يفُوحُ مِسكًا يومَ القِيامةِ". ولم يُصلِّ عَليهِم. قال أبو داود: الذي تفرَّد به من هذا الحديثِ قولُهُ: "لا تُغسِّلُوهُم".

واختُلِف عن الزُّهرِيِّ في الإسنادِ في هذا المعنى، وقد ذكَرْنا بعض ذلك في بلاغاتِ مالكٍ، والحمدُ لله.

وزعمَتْ طائفةٌ بأنَّ في هذا الحديثِ دليلًا على أنَّ الماءَ إذا تغيَّرت رائحتُهُ بشيءٍ من النَّجاساتِ، ولونُهُ لم يتغيَّر، أنَّ الحُكم للرّائحةِ، دُون اللَّونِ.

فزعَمُوا أنَّ الاعْتِبار باللَّونِ في ذلك لا معنى لهُ؛ لأنَّ دمَ الشَّهِيدِ يومَ القِيامةِ يجِيءُ ولونُهُ كلونِ الدِّماءِ، ولكِنَّ رائحتهُ فصَلَتْ بينهُ وبين سائرِ الدِّماءِ، وكان الحُكمُ لها.

فاستدلُّوا في زَعْمِهِم بهذا الحديثِ على أنَّ الماءَ إذا تغيَّر لونُهُ، لم يضُرَّهُ.

وهذا لا يُفهَمُ (١) منهُ معنًى تسكُنُ النَّفسُ إليه، ولا في الدَّم معنى الماءِ، فيُقاسَ عليه، ولا يَشْتغِلُ بمِثلِ هذا الفقهاء (٢)، وليسَ من شأنِ أهلِ العِلم اللَّغزُ (٣) به وإشكالُهُ، وإنَّما شأنُهُم إيضاحُهُ وبيانُهُ، وبذلك أُخِذَ المِيثاقُ عليهم: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} (٤) [آل عمران: ١٨٧].


(١) من هاهنا إلى قوله: "فيقاس عليه". جاء مكانه في ي ١، ت: "ولا يعقل وليس من كلام أهل العلم ولا مذاهبهم".
(٢) جاء في ي ١، ت، م: "من له فهم، وإنما اغترَّت هذه الطائفة بأن البخاري ذكر هذا الحديث في باب الماء، والذي ذكره البخاري لا وجه له يعرف" بدل: "الفقهاء".
(٣) في ي ١، م: "اللغو".
(٤) زاد هنا في ي ١، ت، م: "وفي كتاب البخاري أبواب لو لم تكن فيه كان أصح لمعانيه، والله الموفق للصواب".

<<  <  ج: ص:  >  >>