للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد عارضَ بعضُ أهلِ الظّاهِرِ حدِيث: "لا صلاةَ بعد الفَجْرِ، إلّا ركعتيِ الفجرِ". بقولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا صلاةَ بعد العَصْرِ حتّى تغرُب الشَّمسُ، ولا بعد الصُّبح حتّى تطلُع الشَّمسُ" (١). قال: فدخَلَ ما عدا هَذَينِ الوقتينِ من سائرِ أوقاتِ النَّهارِ في الإباحَةِ لمن شاءَ أنَّ يُصلِّي، فصارَ هذا الحدِيثُ مع تواتُرِ مجِيئهِ، مُعارِضًا لقولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا صلاةَ بعدَ الفجرِ إلّا ركعتيِ الفجرِ". فإذا تعارَضَ الخبَرانِ، سَقَطا ووجَبَ الرُّجُوعُ إلى أُصُولِ البابِ، ووجَدْنا الصَّلاةَ من أرفع أفعالِ (٢) الخيرِ، فوجَبَ أن لا يُمتَنعُ من فِعلِها، إلّا بدليلٍ لا مُعارِضَ لهُ، بظاهِرِ قولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: ٧٧].

وقدِ اختلَفَ العُلماءُ في صلاةِ التَّطوُّع بعدَ الفَجْرِ.

فقال مالكٌ: من غَلَبتهُ عيناهُ (٣)، ففاتهُ بعضُ حِزبِهِ، أو رُكُوعٌ كان يركعُهُ باللَّيلِ، فأرجُو أن يكون خفِيفًا، أن يُصلِّيهُ بعدَ طُلُوع الفجرِ، وأمّا غيرُ ذلك، فلا يُعجِبُني أن يُصلِّي بعد انفِجارِ الصُّبح، إلّا ركعتينِ.

وقال أبو حنِيفةَ وأصحابُهُ والثَّورِيُّ: لا يُصلِّي أحدٌ تطوُّعًا بعدَ الفجرِ، إلّا ركعتيِ الفجرِ (٤).

قال أبو عُمر: حُجَّةُ هؤُلاءِ، ما رُوِي عن النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنَّهُ قال: "لا صلاةَ بعدَ الفَجْرِ إلّا رَكْعتيِ الفجرِ".

وحجَّةُ مالكٍ، ما رُوِي عن عُمر بن الخطّابِ، أنَّهُ قال: من فاتَهُ حِزبُهُ من اللَّيلِ، فلا بأسَ أن يَقْرأهُ بعدَ الفجرِ، قبلَ صلاةِ الصُّبح (٥).


(١) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٣٠٣ (٥٨٨) من حديث أبي هريرة.
(٢) في د ٢: "أعمال".
(٣) في الأصل: "عينه".
(٤) انظر: المبسوط للشيباني ١/ ١٥٧، ومختصر اختلاف العلماء ١/ ٢٥٢.
(٥) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٢٧٦ (٥٣٨) كما سيأتي لاحقًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>