للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو عُمر: من جعلَ غسل اللِّحيةِ كلِّها واجِبًا، جعلها وجهًا، واللَّه قد أمرَ بغَسلِ الوَجْهِ أمرًا مُطلقًا، لم يخُصَّ صاحِب لحيةٍ من أمرد، فكلُّ ما وقعَ عليه اسمُ وجهٍ، فواجِبٌ غسلُهُ، لأنَّ الوجهَ مأخُوذٌ من المُواجهةِ، وغيرُ مُمتنِع أن تُسمَّى اللِّحيةُ وجهًا، فوجَبَ غسلُها بعُمُوم الظّاهِرِ، لأنَّها بَدَلٌ من البشرةِ.

ومن لم يُوجِب غسلَ ما انسدَلَ من اللِّحيةِ، ذهَبَ إلى أن الأصلَ المأمُورَ بغَسْلِهِ: البشرَةُ، وإنَّما وجبَ غسلُ اللِّحيةِ، لأنَّها ظهرت فوقِ البشرةِ، وصارتِ البشرةُ باطِنًا، وصار الظّاهِرُ هُو اللِّحيةَ، فصارَ غسلُها بَدَلًا من البشرَةِ، وما انسدَلَ من اللِّحيةِ، ليسَ تحتهُ ما يلزمُ غسلُهُ، فيكونُ غسلُ اللِّحيةِ بدلًا منهُ، كما أنَّ جِلد الرَّأسِ مأمُورٌ بمسحِهِ، فلمّا نبتَ عليه الشَّعرُ، ناب مسحُ الشَّعرِ عن مَسْح الرَّأسِ، لأنَّهُ ظاهِرٌ بدلٌ من الرَّأسِ الباطِنِ تحتهُ، وما انسدَلَ من الرَّأسِ وسقطَ، فليس تحته بشرةٌ، يلزمُ مسحُها، ومعلُومٌ أنَّ الرَّأسَ إنّما (١) سُمِّي رأسًا، لعُلُوِّهِ ونباتِ الشَّعرِ فيه، وما سقطَ من شعرِهِ وانسدَلَ، فليسَ برأسٍ، فكذلك ما انسدَلَ من اللِّحيةِ، فليسَ بوجهٍ، واللَّه أعلمُ.

ولأصحابِ مالكٍ أيضًا في هذه المسألةِ قولانِ، كأصحابِ الشّافِعيِّ سواءٌ، واللَّه المُستعانِ.

وأمّا غسلُ اليَدَينِ، فقد أجمَعُوا أنَّ الأفضَلَ أن يغسِلَ اليُمنى قبلَ اليُسرى.

وأجمعُوا (٢) أنَّ رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كذلك كان يتوضَّأُ، وكان -صلى اللَّه عليه وسلم- يُحِبُّ التَّيامُن في أمرِهِ كلِّهِ، في وُضُوئهِ، وانتِعالِهِ، وغيرِ ذلك من أمرِه (٣).


(١) حرف الحصر سقط من م.
(٢) زاد هنا في د ٢، ت: "على".
(٣) أخرجه أحمد في مسنده ٤١/ ١٧٤ (٢٤٦٢٧)، والبخاري (١٦٨، ٤٢٦، ٥٣٨٠، ٥٨٥٤، ٥٩٢٦)، ومسلم (٢٦٨)، وأبو داود (٤١٤٠)، والترمذي (٦٠٨)، والنسائي في المجتبى ١/ ٧٨، و ٨/ ١٣٣، وفي الكبرى ١/ ١١٨، و ٨/ ٣١٨ (١١٥، ٩٢٦٩)، وابن خزيمة (١٧٩، ٢٤٤)، وابن حبان ٣/ ٣٧١، و ١٢/ ٢٧١ (١٠٩١، ٥٤٥٦) من حديث عائشة. وانظر: المسند الجامع ١٩/ ٢٤٩ - ٢٥٠ (١٥٩٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>