للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكذلك أجمعُوا أنَّ من غسلَ يُسرَى يَدَيهِ قبل يُمناهُ: أنَّهُ لا إعادةَ عليه.

وروينا عن عليٍّ وابنِ مسعُودً: أنَّهُما قالا: لا تُبالي بأيِّ يديكَ بدأتَ (١).

وقال معنُ بن عيسى: سألتُ عبد العزيزِ بن أبي سَلَمةَ عن إجالَةِ الخاتم عِندَ الوُضُوءِ، فقال: إن كان ضيِّقًا، فأجِلهُ، وإن كان سَلِسًا، فأقِرَّهُ.

وأمّا إدخالُ المِرفَقينِ في الغَسْلِ، فعلى ذلك أكثرُ العُلماءِ، وهُو مذهبُ مالكٍ، والشّافِعيِّ، وأحمد، وأبي حنِيفةَ وأصحابهِ، إلّا زُفرَ، فإنَّهُ اختُلِفَ عنهُ في ذلك، فرُوِي عنهُ: أنَّهُ يجِبُ غَسْلُ المرافِقِ مع الذِّراعينِ. ورُوِي عنهُ: أنَّهُ لا يجِبُ ذلك. وبِهِ قال الطَّبرِيُّ وبعضُ أصحابِ داودَ، وبعضُ المالكِيِّين أيضًا. ومن أصحابِ داودَ من قال بوُجُوبِ غسلِ المرفقينِ معَ الذِّراعينِ (٢).

فمن لم يُوجِب غَسْلهُما، حملَ قولهُ عزَّ وجلَّ: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: ٦] على أنَّ "إلى" هاهُنا غايةٌ، وأنَّ المِرفقينِ غيرُ داخِلين في الغَسْلِ مع الذِّراعينِ، كما لا يجِبُ دُخُولُ اللَّيلِ في الصِّيام، لقولِهِ عِزَّ وجلَّ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧].

ومن أوجَبَ غسلهُما، جعل "إلى" في هذه الآيةِ بمعنى الواوِ، أو بمعنى "مع" كأنَّهُ قال: فاغسِلُوا وُجُوهكُم وأيدِيكُم والمرافِقَ أو مع المرافِقِ، و"إلى" بمعنى الواوِ، وبِمعنى "مع" معرُوفٌ في كلام العربِ، كما قال عزَّ وجلَّ: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: ٥٢] أي: مع اللَّه. وكما قال: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: ٢] أي: مع أموالِكُم.


(١) انظر: مصنَّف ابن أبي شيبة (٤٢١) و (٤٢٢) و (٤٢٣).
(٢) انظر: الأم ١/ ٤١، ومختصر المزني ٨/ ٩٤، والمدونة ١/ ١١٣ و ١٣٠، والأوسط ٢/ ٣٥، وشرح مختصر الطحاوي ١/ ٣٢٣، واللباب لابن المحاملي ١/ ٦٠، والحاوى للماوردي ١/ ١١٣، واختلاف العلماء لابن هبيرة ١/ ٤٢. وانظر أيضًا: الاستذكار للمصنِّف ١/ ١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>