للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يدلُّ على ذلك أيضًا ما رواه عبدُ الرحمن بن أبي ليلى، قال: حدَّثنا المِقدادُ بنُ الأسود، قال: جئتُ أنا وصاحبٌ لي، قد كادَت تذهبُ أبصارُنا وأسماعُنا من الجوع، فجعَلْنا نتعرَّضُ للناس، فلم يُضِفْنا أحد، فأتينا النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلنا: يا رسولَ اللَّه، أصابَنا جوعٌ شديدٌ، فتعرَّضْنا للناس، فلم يُضِفْنا أحدٌ، فأتيناك. فذهَب بنا إلى منزله، وعندَه أربعةُ أعْنُز، فقال: "يا مِقْدادُ، احلُبْهنَّ، وجَزِّئ اللَّبنَ لكلِّ اثنَين جزءًا" (١).

ففي هذا الحديث أنَّ المقْدادَ وصاحبَه قد استَضافا، فلم يُضَيَّفا، ولم يأمُرْهما النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يأخُذا ممّن استَضافا قَدْرَ ضيافتِهما مع شدةِ حاجتِهما، فدلَّ ذلك أن الضِّيافةَ غيرُ واجبةٍ جملةً، أو كانت واجبةً في بعض الأوقاتِ فنُسِخَت، وأهلُ العلم يأمُرون بالضِّيافة، ويَندُبون إليها ويَستَحبُّونها، وهي عندَهم على أهل البَوادي أوكد (٢).

وقولهم: ليس على أهل الحَضَر ضيافةٌ، يدُلُّ على تأكيدِ سُنَّتها على أهلِ البادية، ومنهم مَن سوَّى بين البادلة والحاضرةِ في ذلك. وأما اختلافُهم في إيجابها فرضًا، فعلى ما تقدَّم ذكرُه، وأما الآيةُ فقد مضى عن مجاهدٍ فيها في هذا الباب ما ذكَرْنا.

وقال سعيد، عن قتادةَ في قوله: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} الآية [النساء: ١٤٨]. قال: عذَر اللَّهُ المظلوم، كما تَسمَعون، أن يَدعوَ على مَن ظلَمه (٣).


(١) أخرجه أحمد في المسند ٣٩/ ٢٢٨ (٢٣٨٠٩)، وأبو يعلى في مسنده ٣/ ٨٦ (١٥١٧)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار ٧/ ٢٤٥ (٢٨١٠) و (٢٨١١)، وفي شرح معاني الآثار ٤/ ٢٤٢ (٦٦٤١)، والطبراني في الكبير ٢٠/ ٢٤٢ (٥٧٢) من طريق ثابت البناني، عن عبد اللَّه بن أبي ليلى، به. وهو حديث صحيح.
(٢) في الأصل، م: "آكد"، والمثبت من د ٢، د ٣.
(٣) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ٩/ ٣٤٤ من طريق يزيد بن زُريع، عن سعيد بن أبي عروبة، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>