للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابنُ جُرَيْج، عن عبد اللَّه بن كثير: {إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}. قال: إلّا مَن أثَر ما قيل له (١).

فلم يقل هؤلاء: إنَّ الآيةَ نزلَت في الضِّيافة. ولا في قولهم شيءٌ يدُلُّ على أنّ الآية لم تنزِلْ في الضِّيافة.

وقال الطَّحاويُّ (٢): الضِّيافة من كَرامةِ الضيفِ على حديثِ أبي شُرَيْح الكَعبيِّ، وفيه دليلٌ على انتفاءِ وجوبِها. قال: وجائزٌ أنْ تكونَ كانت واجبةً عند الحاجة إليها، لقلةِ عددِ أهل الإسلام في ذلك الوقت، وتَباعُدِ أوطانهم، وأمّا اليوم فقد عمَّ الإسلام، وتقارَب أهلُه في الجوار. قال: وفي حديث أبي شُريح: "جائزتُه يومٌ وليلةٌ". قال: والجائزةُ مِنْحةٌ، والمنحةُ إنما تكونُ عن اختيار، لا عن وجوب، وباللَّه التوفيق.

ومما يدلُّ على أن الضِّيافةَ ليست بواجبةٍ فرضًا، قولُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن كان يُؤمنُ باللَّه واليوم الآخرِ فليُكرِمْ جارَه، ومَن كان يُؤمنُ باللَّه واليوم الآخرِ فليُكرِمْ ضيفَه". وقد أجمَعوا أنَّ إكرامَ الجارِ ليس بفرض، فكذلك الضيف.

وفي هذا الحديث وما كان مثلَه دليلٌ على أن الضِّيافةَ من مكارم الأخلاق في الحاضرةِ والباديةِ. ويجوزُ أن يَحتَجَّ بهذا مَن سوَّى بين الضِّيافةِ في الباديةِ والحاضرة، إلّا أنَّ أكثرَ الآثارِ في تأكيدِها إنَّما وردَت في قوم مسافرين مُنِعوها (٣).


(١) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ٩/ ٣٤٦ من طريق حجّاج بن محمد المِصِّيصي، عن عبد الملك بن جُريج، به.
وقوله: "إلّا مَن أثر ما قيل له" أي: إلّا مَن نقَلَه ورواه عن غيره. يقال: أثَر الحديثَ عن القوم؛ أي: حدَّث به عنهم. تاج العروس (أثر).
(٢) في مختصر اختلاف العلماء ٥/ ٢٣٠ - ٢٣١.
(٣) أخرجه ابن حبّان في صحيحه ٨/ ٢٠٠ (٣٤١٠)، والطبراني في الكبير ١٩/ ٢٧٦ (٦٠٦) من طريقين عن أحمد بن عبد اللَّه بن يونس، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>