للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدلُّوا من هذا الحديث بأن كلَّ سَفَرٍ يكونُ دونَ يوم وليلة فليس بسفرٍ حقيقة، وأنَّ حُكْمَ مَن سافَره حكمُ الحاضر؛ لأنَّ في هذا الحديث دليلًا على إباحة السفرِ للمرأةِ فيما دونَ هذا المقدار مع غير ذي محرم، فكان ذلك في حُكْمِ خُروج المرأةِ في حوائجِها إلى السوق، وما قرُب من المواضع المأمون عليها فيها في البادية والحاضرة، وأما اليومُ والليلةُ فظَعْنٌ وسفرٌ وانتقال يكون فيه الانفراد، وتعترضُ فيه الأحوال، فكان في حُكْم الأسفار الطِّوال، لأنَّ كلَّ ما زاد على اليوم والليلة من المدة في نوع اليوم والليلة، وفي حكمها، واللَّه أعلم.

وقد اختلف الفقهاء في هذا الباب، واختلفت فيه الآثار؛ فقال مالكٌ والشافعيُّ ما ذكرنا عنهما، وهو قول ابن عباس وابن عمرَ على ما وصفنا، وبه قال أحمد، وإسحاق (١). وحجَّتُهم الاستدلال بحديث هذا الباب على حسبما اجتلَبنا، وهو حديثُ مالك المذكور، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-. وكذلك رواه ابن أبي ذِئْب بمَعْنَى رواية مالك في تحديد مَسِيرِ يوم وليلة، وربما قال: مسيرةَ يوم فما فوقَه. إلا أنه قال فيه: عن سعيدِ بن أبي سعيدٍ، عن أبيه (٢). كما قال بشرُ بنُ عمر، عن مالك (٣).

وكذلك رواه شيبانُ، عن يحيى بن أبي كثير، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مثلَه (٤) (٥).


(١) كما في مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية لإسحاق بن منصور الكوسج ٣/ ٦٧٥ (٣١٣).
(٢) أخرجه أحمد في المسند ١٢/ ٣٧٧ (٧٤١٤)، والبخاري (١٠٨٨)، ومسلم (١٣٣٩) (٤٢٠) من طرق عن محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب.
(٣) سلف تخريج روايته قبل قليل.
(٤) أخرجه أحمد في المسند ١٥/ ٢٦٦ (٩٤٤٨)، والطحاوي في أحكام القرآن (٧٥)، وفي شرح معاني الآثار ٢/ ١١٣ (٣٤٩٩) من طرق عن شيبان بن عبد الرحمن النحويّ، به. وإسناده صحيح.
(٥) قفز نظر ناسخ الأصل إلى لفظة: "مثله" الآتية، فسقط عنده ما بينهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>