للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه: أنَّه لا بأسَ بتَخَلُّل الصُّفوف، ودفْع الناس والتَّخلُّص بينَهم، للرَّجل الذي تليقُ به الصلاةُ في الصفِّ الأول حتى يَصِلَ إليه، ومن شأن الصفِّ الأول أن يكونَ فيه أهلُ الفضل والعلم بحدودِ الصلاة؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لِيَلني (١) منكم أُولُو الأحلام والنُّهَى" (٢). يريد: ليَحفظوا عنه، ويَعُوا ما يكونُ منه في صلاته، وكذلك ينبغي أن يكونَ في الصفِّ مَن يصلُحُ للاستِخْلافِ إن نابَ الإمامَ شيءٌ في صلاتِه ممَّن يعرِفُ إرْقاعَها (٣) وإصلاحَها.


(١) قوله: "لِيَلِني" وقع مثله عند مسلم وأبي داود، بكسر اللامين وتخفيف النون من غير ياء قبل النون، على الجادّة. ووقع في باقي مصادر التخريج المذكورة وغيرها "لِيَلينِّي" بإثبات الياء قبل النون مع تشديد النون، وجوَّز هذا الحرف -يعني بإثبات الياء قبل النون المشدّدة- النوويّ في شرح مسلم ٤/ ١٥٤. ١٥٥ فقال: "ويجوز إثبات الياء مع النون على التوكيد"، إلّا أن ابن الجوزيّ كان قبل ذلك قد عدَّ هذا الحرف الوارد بإثبات الياء قبل النون المشدَّدة من الأخطاء، فقال: "كثيرٌ من المبتدئين في قراءة الحديث يقرؤون "لِيَلينِّي" بإثبات الياء، وهو غلط، إنما هو مجزوم بالأمر"، وتبعه على ذلك الطيبي فيما نقل عنه السيوطي في شرح سنن ابن ماجة ١/ ٦٩ فقال: "من حقّ هذا اللفظ أن تحذف منه الياء، لأنه على صيغة الأمر، ووجدنا بإثبات الياء وسكونها في سائر كتب الحديث، والظاهر أنه غلط".
قلنا: وللشيخ العلّامة أحمد شاكر رحمه اللَّه تعقيب نفيس يُنبئ عن مدى سعة اطّلاعه ومدى دقّته في تتبُّع أصول الكلام والروايات، فقال بعد أن ساق الأقوال المذكورة في هذا الحرف: "وليس هذا غلطًا كما زعم الطِّيبي، بل إثبات حرف العلَّة في مثل هذا ورد في الحديث كثيرًا، وله شواهد من الشعر، وقد بحث فيه العلَّامة ابن مالك في كتاب شواهد التوضيح بحثًا طويلًا، وذكر من شواهده في البخاري قول عائشة: إنّ أبا بكر رجلٌ أسيف. وإنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس، وحديث: مَن أكل من هذه الشجرة فلا يغشانا. وحديث: مُروا أبا بكر فليصلي بالناس. ووُجِّه ذلك بأوجُهٍ متعدِّدة، أحسنُها عندي الوجه الثالث: أن يكون أجرى المعتلَّ مجرى الصحيح، فأثبت الألف -يعني أو الواو أو الياء- واكتفى بتقدير حذف الضمّة التي كان ثبوتها منويًا في الرفع" جامع الترمذي ١/ ٤٤٠ - ٤٤١ (من طبعته).
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٧/ ٣٨٠ (٤٣٧٣)، ومسلم (٤٣٢) (١٢٣)، وأبو داود (٦٧٥)، والترمذي (٢٢٨)، والدارمي (١٣٠٣) من حديث علقمة بن قيس، عن عبد اللَّه بن مسعود، به.
(٣) الإرقاع: بمعنى الاصلاح أيضًا، كما في "رقع" من المعجم الوسيط.

<<  <  ج: ص:  >  >>