للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الوُضوءَ لا يَنتقِضُ إلا على بعضِ المُلامِسينَ دونَ بعض. قال المُزنيُّ: فإني أقول: إنه كان على قدَمِه حائلٌ، شيءٌ كالثوبِ يَسْتُرُها أو نحوِه. قال قاسم: فقلتُ له: القدمُ قدمٌ بلا حائل حتى يثبُتَ الحائل (١).

قال أبو عُمر: ما أدري كيف يجوزُ على مثل المُزَنيِّ -مع جلالتِه وفقهِه وسَعةِ فهمِه- مثلُ هذا الإدخالِ والاحتجاج، والأغلبُ أنَّ النائمَ مُشتَمِلٌ في ثوبِه مُلتَحِفٌ به، وإذا أمكن ذلك، وهو الأغلبُ، لم يجِبْ أن يُقطَعَ بمُلامَسةٍ فيها مباشرةٌ إلّا بيقين، ولا يقينَ في هذا الحديث؛ لإمكانِ سَترِ القدم واحتمالِه، وإذا احتمَلَ لم تكنْ فيه حجّةٌ؛ لأن الحُجّة ما لا تَنازُعَ فيه، ولا يَحتمِلُ تأويلَ الخصْم. وحديثُ هذا الباب أولى من الحديث الذي احتجَّ به قاسمٌ؛ لأنّ في حديثنا في هذا الباب أنّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَغْمِزُ رجلَ عائشةَ أو رجلَيها، فهو الملامِسُ في هذا الحديث، لو ثبَت أنه باشَرها أو شيئًا من جسدِها بالمُلامَسة؛ لأنه قد كان (٢) يَحتمِلُ أن يَغمِزَها على الثوب، أو يَضرِبَ رجلَها (٣) بكُمِّه، ونحو هذا. والحديثُ الذي احتَجَّ به قاسمٌ يَرْويه مالكٌ، عن يحيى بن سعيد، عن محمدِ بنِ إبراهيمَ التَّيميِّ، عن عائشة، وهو مُنقطِعٌ من هذا الوجه، ولكنه يَستنِدُ من طرقٍ صحيحة، سنذكُرُها في باب يحيى بنِ سعيدٍ من كتابِنا هذا إن شاء اللَّه.

وأما اختلافُ العلماء في المُلامَسة التي تنقُضُ الطَّهارةَ وتُوجِبُ الوضوءَ على مَن أراد الصلاة - فاختلافٌ قديمٌ وجَدْناه عن (٤) السلَفِ والخلَف، ونحن نُورِدُ منه من وُجوه أقاويلِهم فيها ها هنا ما فيه كفايةٌ إن شاء اللَّه:


(١) ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ٥/ ٢٢٧.
(٢) هذه اللفظة لم ترد في الأصل، م، وهي ثابتة في بقية النسخ.
(٣) في د ٣: "يضربها" بدلًا من "يضرب رجلها"، وفي د ٣: "رجليها".
(٤) في د ٣: "فاختلاف قديم وحديث بين".

<<  <  ج: ص:  >  >>