للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: حدَّثنا الهيثمُ بنُ جميل، قال: حدَّثنا حمادُ بنُ سَلَمة، عن سُهيلِ بنِ أبي صالح، عن أبيه، عن سعدِ بنِ عُبادة، أنه قال: يا رسولَ اللَّه، أرأيتَ لو رأيتُ رجلًا مع امرأتي لا أُحَرِّكُه حتى أدعُوَ أربعةً من الشهداء؟ فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "نعم". فقال: والذي أنزَل عليك الكتاب، إذنْ لأُعجِلنَّه بالسيف. فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن سعدًا لَغيورٌ، وإني لأغيَرُ منه، وإنّ اللَّه لأغيَرُ منا" (١).

قال أبو عُمر: يريد، واللَّه أعلم، أن الغيرةَ لا تُبيحُ للغيورِ ما حُرِّم عليه، وأنه يلزَمُه مع غَيرتِه الانقيادُ لحكم اللَّه ورسولِه، وألّا يتعدَّى حدودَه، فاللَّهُ ورسولُه أغيَرُ. ولا خلافَ عَلِمتُه بينَ العلماءِ فيمَن قتَل رجلًا ثم ادَّعى أنه إنما قتَله لأنه وجَده مع امرأتِه بينَ فخِذَيها، أو نحوَ ذلك من وجوهِ زِناه بها، ولم يُعلَمْ ما ذكَر عنه إلا بدَعواه، أنه لا يُقبَلُ منه ما ادَّعاه، وأنه يُقتَلُ به، إلا أن يأتيَ بأربعةِ شهداءَ يشهَدون أنهم رأوا وَطْأَه لها، وإيلاجَه فيها، ويكونَ مع ذلك محصَنًا مسلمًا بالغًا، أو مَن يَحِلُّ دمُه بذلك (٢).

وفي حديث مالك، عن يحيى بنِ سعيد، عن سعيدِ بنِ المسيِّب، عن عليٍّ، في قصةِ ابنِ خَيْبَريٍّ الذي قدّمنا، بيانُ ما وصَفنا، وقد رواه عن يحيى بنِ سعيدٍ كما رواه مالكٌ سواء: معمرٌ، والثوريُّ، وابنُ جريج؛ ذكَره عبدُ الرزاق (٣) عنهم.


(١) انفرد بإخراجه من هذا الوجه عن سهيل بن أبي صالح المصنِّف، ورجال إسناده ثقات. الهيثم بن جميل: هو أبو سهل الأنطاكي. وهو ثقة حافظ كما في التقريب (٧٣٥٩).
(٢) جاء بعد هذا في الإبرازة القديمة، ومنها النسخة التيمورية: "فإن جاء بشُهداءَ يشهَدون له بذلك نَجا، وإلا قُتِل، وهذا أمرٌ واضح، لو لم يجِئ به الخبرُ لأوجَبه النظرُ؛ لأن اللَّه حرَّم دماءَ المسلمين تحريمًا مطلقًا، فمَن ثبَت عليه أنه قتَل مسلمًا، فادَّعى أن المسلمَ قد كان يجبُ قتلُه، لم يُقبَلْ منه رفعُه القِصاصَ عن نفسِه حتى يتبيَّن ما ذكَر، وهكذا كلُّ مَن لزِمه حقٌّ لآدميٍّ، لم يُقبَلْ قولُه في المخرَج منه إلا ببيِّنةٍ تشهَدُ له بذلك".
(٣) في المصنَّف ٩/ ٤٣٣ (١٧٩١٥) وقرن فيه عبد الملك بن جُريج مع سفيان الثوري، وبرقم (١٧٩١٦) عن معمر بن راشد، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>