للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو العِرْقُ الذي قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومعنى قوله: "إنما ذلك عِرْقٌ"؛ يريد: عرقٌ انفجَر أو انقطَع وهي الاستحاضة؛ ولهذا سألتْه فاطمةُ إذ أشكَل عليها ذلك، فأجابها بجواب يدلُّ على أنها كانت تميزُ انفصالَ دم حيضِها من دم استحاضتِها؛ فلهذا قال لها: "إذا أقبَلتِ الحيضةُ فاتْرُكي الصلاة، فإذا ذهَب قدْرُها، فاغتسلي وصلِّي". وهذا نصٌّ صحيحٌ في أن الحائضَ تتركُ الصلاة، ليس عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الباب أثبتُ منه من جهةِ نقل الآحادِ العُدول، والأمّةُ مجمعةٌ على ذلك وعلى أن الحائضَ بعدَ طُهرِها لا تقضي صلاةَ أيام حَيضتِها؛ لا خلافَ في ذلك بين علماءِ المسلمين، فلزِمَت حُجَّتُه وارتفعَ القولُ فيه.

وقد روَى أبو قلابةَ وقتادةُ جميعًا، عن مُعاذةَ العدَوية، عن عائشة، أن امرأةً سألتها: أتقضي الحائضُ الصلاة؟ فقالت لها عائشة: أحَرُوريّةٌ أنت؟ قد كُنّا نَحيضُ على عهدِ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم نَطهُرُ فلا نُؤمَرُ بقضاءِ الصلاة. وزاد بعضُهم: ونُؤمَرُ بقضاءِ الصوم (١). وهذا إجماعٌ أن الحائضَ لا تصومُ في أيام حَيضتِها، وتقضي الصومَ ولا تقضي الصلاة، لا خلافَ في شيءٍ من ذلك، والحمدُ للَّه.

وما أجمعَ المسلمون عليه فهو الحقُّ والخبرُ القاطعُ للعُذْر، وقال اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: ١١٥]. والمؤمنون هاهنا: الإجماع؛ لأنَّ الخلافَ لا يكونُ معَه اتباعُ غير سبيل المؤمنين، لأنَّ بعضَ المؤمنين مؤمنون، وقد اتَّبع المتَّبعُ سبيلَهم، وهذا واضحٌ يُغني عن القول فيه.


(١) أخرجه أحمد في المسند ٤٠/ ٣٩ (٢٤٠٣٦)، ومسلم (٣٣٥)، وأبو داود (٢٦٢)، والترمذي (١٣٠) من طريق أيوب السختياني عن أبي قلابة عبد اللَّه بن زيد الجرميّ، به.
وأخرجه أحمد في المسند ٤١/ ١٧٩ (٢٤٦٣٣) و ٤١/ ٣٧٩ (٢٤٨٨٦)، والبخاري (٣٢١)، وابن ماجة (٦٣١) من طرق عن قتادة بن دعامة السَّدوسيِّ، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>