للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحيى بن آدم، عن سفيانَ، عن جعفرِ بن محمدٍ، عن أبيه، عن جابرٍ، قال: "لمّا قدِم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مكةَ دخَل المسجدَ، فاستلَم الحَجَرَ ومضَى على يمينِه، فرمَل ثلاثًا، ومشَى أربعًا، ثم أتَى المقامَ، فقال: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥] ". فصلَّى رَكْعتين والمقامُ بينَه وبينَ البيت، ثم أتَى البيتَ بعدَ الرَّكْعتين، فاستلَم الحَجَرَ، ثم خرَج إلى الصَّفا.

قال أبو عُمر: وأما الرَّمَلُ فهو المَشْيُ خَبَبًا يشتَدُّ فيه دونَ الهَرْولةِ قليلًا، وأصلُه أن يحرِّكَ الماشي مَنْكبَيْه لشدةِ الحركةِ في مشيِه. هذا حكمُ الثلاثةِ الأشواطِ في الطوافِ بالبيتِ. وأما الأربعةُ الأشواطِ في الطواف تتمةُ الأسبوع (١) فحكمُها المشيُ المعهودُ بالرفق، وهذا أمر مُجتَمع عليه أنّه كذلك ينبغي للحاجِّ والمُعتمِرِ أن يفعَلَه في طوافِه بالبيت؛ يرمُلُ ثلاثةً، ويمشي أربعةً.

إلّا أنّهم اختَلَفوا في الرَّمَل؛ فقال قومٌ: الرَّمَلُ سُنَّةٌ من سننِ الحجِّ لا يجوزُ تركُها. رُوِيَ ذلك عن عمرَ بن الخطاب، وعبدِ الله بن مسعودٍ، وعبدِ الله بن عمرَ (٢)، واختُلِف فيه عن ابن عباسٍ. وهو قولُ مالكٍ وأصحابه، والشافعيِّ وأصحابه، وأبي حنيفةَ وأصحابه، والثوريِّ، وأحمدَ بن حنبلٍ، وإسحاقَ بن راهُويَة، وجماعةِ فقهاءِ الأمصار.

وقال قومٌ: إن شاءَ رمَل، وإنْ شاء لم يرمُلْ. قالوا: وليس الرَّمَلُ سُنّةً؛ قال ذلك جماعةٌ من كبارِ التابعين؛ منهم: عطاءٌ، ومجاهدٌ، وطاوسٌ، والحسنُ، وسالمٌ، والقاسمُ، وسعيدُ بن جبيرٍ (٣). وحُجَّتُهم على ما ذهبوا إليه من ذلك ما رُوِي عن ابن عباسٍ؛ قال أبو الطُّفيل: قلتُ لابن عباسٍ: زعَم قومُكَ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -


(١) الأسبوع: هو الطواف بالبيت سبعة أشواط.
(٢) ينظر مصنف ابن أبي شيبة ٣/ ٨٢٦ فما بعدها.
(٣) ينظر مصنف ابن أبي شيبة ٣/ ٧٠٨ فما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>