للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لي فعلتُ (١). فظاهرُ هذا الخطابِ أنّها أرادَتْ أن تشتريَ منهم الولاءَ بعدَ عقدِ الكتابة، وأن تؤدِّيَ في ذلك جميعَ الكتابة، فأبى القومُ من ذلك، وطلَبوا أن يكونَ الولاءُ لهم عندَ أداءِ عائشةَ لجميع الكتابة، كأنّها تبرَّعَت بذلك، وأرادَتِ الولاءَ، أو قصَدت إلى ابتياع الولاء. وهذا لا يصحُّ عندَنا، واللهُ أعلم؛ لأنه لا خلافَ بينَ علماءِ المسلمينَ أنَّ الولاءَ لا يُباعُ، وأنَّ مَن أدَّى عن مُكاتبٍ كتابتَه مُتبرِّعًا لم يكنْ له الولاء، ولو صَحَّ هذا كان يكونُ النكيرُ حينئذٍ على عائشةَ رحمها اللهُ في إرادتها أن يكونَ الولاءُ لها بأدائِها الكتابةَ عنها، ولكنْ في حديثِ هشام بنِ عُروة (٢): "خُذيها واشتَرطي الولاءَ لهم، فإنّما الولاءُ لمن أعتَق"، ففعلَت عائشة. وقد قال وُهَيْبٌ (٣)، وكان من الحفّاظ، في هذا الحديث، عن هشام بنِ عُروة: إن أحَبَّ أهلُكِ أن أعُدَّها عَدَّةً واحدةً وأُعتِقَكِ، ويكونَ ولاؤُكِ لي، فعلتُ.

فقولهُا: "وأُعتِقَكِ" دليلٌ على شرائِها لها شراءً صحيحًا؛ لأنّها لا تُعتِقُها إلّا بعدَ شرائِها لها، وهذا هو الظاهرُ في قولها: "أُعتِقَكِ"، واللهُ أعلم.

وفي حديث ابنِ شهاب، أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة: "لا يمنَعُكِ ذلك، ابتاعي وأعتقي". وقولُه: "ابتاعي وأعتقي" في حديثِ ابنِ شهاب، يُفسِّرُ قولَه في حديث هشام: "خُذيها"؟ لأنَّ قولَه: "ابتاعيها وأعتِقيها" أمرٌ منه - صلى الله عليه وسلم - لعائشةَ بالشراء ابتداءً، وعِتْقِها لها بعدَ مِلْكِها ليكونَ الولاءُ لها، وهذا هو الصحيحُ في الأصول، وإيّاه يعضُدُ سائرُ الآثارِ عن عائشةَ في هذه القصة، ألا ترَى إلى ما روَى مالك (٤)،


(١) سلف تخريجه قبل قليل.
(٢) يعني حديث هذا الباب.
(٣) وهو ابن خالد الباهلي، وحديثه أخرجه أبو داود (٣٩٣٠)، وعنه أبو عوانة في المستخرج ٣/ ٢٣٣ (٤٧٨٦) عن موسى بن إسماعيل التبوذكي عن وُهيب بن خالد، به. وإسناده صحيح.
(٤) في الموطأ ٢/ ٣٣٥ (٢٢٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>